والآخر : والذين يؤتون الملائكة الذين يكتبون الأعمال على العباد ما آتوا وقلوبهم وجلة ؛ فحُذِف مفعولٌ في هذا الباب لوضوح معناه ؛ كما حذف في قوله عز وجل :﴿ فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [ يوسف : ٤٩ ] والمعنى يعصرون السمسم والعنب ؛ فاختزِل المفعول لوضوح تأويله.
ويكون الأصل في الحرف على هجائه الموجود في الإمام "يأتون" بألف مبدلة من الهمزة فكتبت الألف واواً لتآخي حروف المد واللين في الخفاء ؛ حكاه ابن الأنباري.
قال النحاس : المعروف من قراءة ابن عباس "والذين يأتون ما أتوا" وهي القراءة المروية عن النبيّ ﷺ وعن عائشة رضي الله عنها، ومعناها يعملون ما عملوا ؛ كما رُوي في الحديث.
والوجَل نحو الإشفاق والخوف ؛ فالتقِيّ والتائب خوْفه أمر العاقبة وما يطلع عليه بعد الموت.
وفي قوله :﴿ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ تنبيه على الخاتمة.
وفي صحيح البخاري :" وإنما الأعمال بالخواتيم " وأما المخلِّط فينبغي له أن يكون تحت خوفٍ من أن ينفَّذ عليه الوعيد بتخليطه.
وقال أصحاب الخواطر : وَجَل العارف مِن طاعته أكثر وجلاً من وجله من مخالفته ؛ لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب بتصحيح الغرض.
﴿ أَنَّهُمْ ﴾ أي لأنهم، أو من أجل "أنهم إلى ربهم راجعون".
قوله تعالى :﴿ أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات ﴾ أي في الطاعات، كي ينالوا بذلك أعلى الدرجات والغرفات.
وقرىء "يُسْرِعون" في الخيرات، أي يكونون سراعاً إليها.
ويسارعون على معنى يسابقون من سابقهم إليها ؛ فالمفعول محذوف.
قال الزجاج : يسارعون أبلغ من يسرعون.
﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ أحسن ما قيل فيه : أنهم يسبقون إلى أوقاتها.
ودلّ بهذا أن الصلاة في أوّل الوقت أفضل ؛ كما تقدم في "البقرة".