وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) ﴾
الخشية : هي أشد الخوف، والإنسان قد يخاف من شيء، لكن يبقى عنده أمل في النجاة، ويتوقّع من الأسباب ما ينقذه ويُؤمِّن خوفه، لكن حين تخاف من الله فهو خوف لا منفذَ للأمل فيه، ولا تهبُّ فيه هَبّة تُشعرك بلطف.
ومعنى ﴿ مُّشْفِقُونَ ﴾ [ لمؤمنون : ٥٧ ] الإشفاق أيضاً الخوف، وهو خوف يُمدَح ولا لا يُذم ؛ لأنه خوف يحمل صاحبه ويحثّه على تجنُّب أسباب الخشية بالعمل الصالح، إنه إشفاق من الذنب الذي يستوجب العقوبة، كالتلميذ الذي يذاكر ويجتهد خوفاً من الرسوب، وهكذا حال المؤمن يخاف هذا الخوف المثمر الممدوح الذي يجعله يأخذ بأسباب النجاة، وهذا دليل الإيمان.
أمّا الإشفاق بعد فوات الأوان، والذي حكاه القرآن عن المجرمين :﴿ وَوُضِعَ الكتاب فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياويلتنا.. ﴾ [ الكهف : ٤٩ ] فهذا إشفاق لا فائدة منه ؛ لأنه جاء بعد ضياع الفرصة وانتهاء وقت العمل، فقد قامت القيامة ونُشِرت الكتب ولا أملَ في النجاة إذن.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ والذين هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ * والذين هُم بِرَبِّهِمْ.. ﴾.
نلحظ في هذه الآيات أن الحق سبحانه حدثنا عن الإشفاق والخشية، ثم عن الإيمان بآيات الله، ثم في النهاية عن مسألة الشرك. وقد تسأل : لماذا لم يبدأ بالتحذير من الشرك؟
نقول : لأن الشرك المراد هنا الشرك الخفي الذي يقع فيه حتى المؤمن، والذي قال الله فيه :﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ ﴾ [ يوسف : ١٠٦ ] فلا تظن أن الشرك فقط أن تجعل لله شريكاً، أو أن تسجد لصنم، فمن الشرك شرك خفي دقيق يتسرب إلى القلب ويخالط العمل مهما كان صاحبه مؤمناً.


الصفحة التالية
Icon