فصل
قال الفخر :
﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢) ﴾
القصة الثالثة
اعلم أنه سبحانه يقص القصص في القرآن تارة على سبيل التفصيل كما تقدم وأخرى على سبيل الإجمال كههنا، وقيل المراد قصة لوط وشعيب وأيوب ويوسف عليهم السلام.
فأما قوله :﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ﴾ فالمعنى أنه ما أخلى الديار من مكلفين أنشأهم وبلغهم حد التكليف حتى قاموا مقام من كان قبلهم في عمارة الدنيا.
أما قوله :﴿مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ﴾ فيحتمل في هذا الأجل أن يكون المراد آجال حياتها وتكليفها، ويحتمل آجال موتها وهلاكها، وإن كان الأظهر في الأجل إذا أطلق أن يراد به وقت الموت، فبين أن كل أمة لها آجال مكتوبة في الحياة والموت، لا يتقدم ولا يتأخر، منبهاً بذلك على أنه عالم بالأشياء قبل كونها، فلا توجد إلا على وفق العلم، ونظيره قوله تعالى :﴿إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [ نوح : ٤ ] وههنا مسألتان :
المسألة الأولى :
قال أصحابنا : هذه الآية تدل على أن المقتول ميت بأجله إذ لو قتل قبل أجله لكان قد تقدم الأجل أو تأخر، وذلك ينافيه هذا النص.
المسألة الثانية :
قال الكعبي : المراد من قوله :﴿مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ﴾ أي لا يتقدمون الوقت المؤقت لعذابهم إن لم يؤمنوا ولا يتأخرون عنه، ولا يستأصلهم إلا إذا علم منهم أنهم لا يزدادون إلا عناداً وأنهم لا يلدون مؤمناً، وأنه لا نفع في بقائهم لغيرهم، ولا ضرر على أحد في هلاكهم، وهو كقول نوح عليه السلام :﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ [ نوح : ٢٧ ].