وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢) ﴾
قبل عدة آيات قال الحق تبارك وتعالى :﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ [ المؤمنون : ٣١ ] فجاءتْ قرناً بصيغة المفرد ؛ لأن الحديث مقصور على عاد قوم هود، أما هنا فقال تعالى :﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً.. ﴾ المؤمنون : ٤٢ ] لأن الكلام سيأتي عن أمم ورسالات مختلفة فة ومتعددة، فجاءت ( قروناً ) بصيغة الجمع، متتابعة أو متعاصرة، كما تعاصر إبراهيم ولوط، وكما تعاصر موسى وشعيب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾.
تأملوا هذه الآية جيداً وارْعَوْها انتباهكم، فلكل أمة أجلٌ تنتهي عنده تماماً، مثل أجَل الأفراد الذي لا يتقدّم ولا يتأخّر، فقرْن بعد قَرْن، وأمة بعد أمة، تمرُّ بأطوار شتى كأطوار حياة الإنسان، ثم تنتهي إلى زوال ويعقبها غيرها.
فلكل أمة رسول يحمل إليها دعوة الله ومنهجه ويجاهد في سبيل نشرها إلى أنْ ينصره الله وتنتشر دعوته ويتمسَّك الناس بها، ثم تصيبهم غفلة وفتور عن منهج الله، فينصرفون عنه ويختلفون ويتفرقون، فيكون ذلك إيذاناً بزوالها ثم يخلفها غيرها؟
كذلك في مسألة الحضارات التي تندثر ليحلَّ محلَّها حضارات أخرى أقوى، نسمع عن حضارة قديمة في مصر وفي الصين وفي اليمن، نسمع عن الحضارة الرومانية والفينيقية.. الخ حضارات تتوالى وتأخذ حظها من الرُّقيِّ والرفاهية، وتُورِث أصحابها رخاوة وطراوة، وتبدلهم بالجَلَد والقوة لِيناً وضَعْفاً، فيغفلوا عن أسباب رُقيِّهم وتقدُّمهم، فتنهدم حضارتهم ويحلُّ محلَّها أقوى منها وأصلب.


الصفحة التالية
Icon