واعلم أن قول أبي مسلم أولى لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما يتصل به من ذكر المشفقين كان أولى من رده إلى ما بعد منه خصوصاً، وقد يرغب المرء في فعل الخير بأن يذكر أن أعماله محفوظة كما قد يحذر بذلك من الشر، وقد يوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة ويراد أنه قد استولى عليه الفكر في قبول عمله أورده وفي أنه هل أداه كما يجب أو قصر.
فإن قيل فما المراد بقوله من هذا، وهو إشارة إلى ماذا ؟ قلنا هو إشارة إلى إشفاقهم ووجلهم مع أنهما مستوليان على قلوبهم.
أما قوله تعالى :﴿حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب﴾ فقال صاحب "الكشاف" حتى هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام الجملة الشرطية.
واعلم أنه لا شبهة ( في ) أن الضمير في مترفيهم راجع إلى من تقدم ذكره من الكفار لأن العذاب لا يليق إلا بهم وفي هذا العذاب وجهان : أحدهما : أراد بالعذاب ما نزل بهم يوم بدر والثاني : أنه عذاب الآخرة ثم بين سبحانه أن المنعمين منهم إذا نزل بهم العذاب يجأرون أي يرتفع صوتهم بالاستغاثة والضجيج لشدة ما هم عليه ويقال لهم على وجه التبكيت ﴿لاَ تَجْئَرُواْ اليوم إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ﴾ فلا يدفع عنكم ما يريد إنزاله بكم، دل بذلك سبحانه على أنهم سينتهون يوم القيامة إلى هذه الدرجة من الحسرة والندامة وهو كالباعث لهم في الدنيا على ترك الكفر والإقدام على الإيمان والطاعة فإنهم الآن ينتفعون بذلك.
﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) ﴾


الصفحة التالية
Icon