وقال ابن عاشور :
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) ﴾
( أم ) عاطفة على ﴿ أم يقولون به جنة ﴾ [ المؤمنون : ٧٠ ] وهي للانتقال إلى استفهام آخر عن دواعي إعراضهم عن الرسول واستمرار قلوبهم في غمرة.
والاستفهام المقدر هنا إنكاري، أي ما تسألهم خرجاً فيعتذروا بالإعراض عنك لأجله شحاً بأموالهم.
وهذا في معنى قوله تعالى ﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ﴾ [ سبأ : ٤٧ ] على سبيل الفرض، والتقدير : إن كنتُ سألتكم أجراً فقد رددته عليكم فماذا يمنعكم من اتباعي.
وقوله :﴿ أم تسألهم أجراً فهم من مَغرم مُثقلون ﴾ [ القلم : ٤٦ ] كل ذلك على معنى التهكم.
وأصرح منهما قوله تعالى ﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ﴾ [ الشورى : ٢٣ ].
وهذا الانتقال كان إلى غرض نفي أن يكون موجب إعراضهم عن دعوة الرسول جائياً من قِبله وتسببه بعد أن كانت الاستفهامات السابقة الثلاثة متعلقة بموجبات الإعراض الجائية من قبلهم، فالاستفهام الذي في قوله ﴿ أم تسألهم خرجاً ﴾ إنكاري إذ لا يجوز أن يصدر عن الرسول ما يوجب إعراض المخاطبين عن دعوته فانحصرت تبعة الإعراض فيهم.
والخرج : العطاء المعيّن على الذوات أو على الأرضين كالإتاوة، وأما الخراج فقيل هو مرادف الخرج وهو ظاهر كلام جمهور اللغويين.
وعن ابن الأعرابي : التفرقة بينهما بأن الخرج الإتاوة على الذوات والخراج الإتاوة على الأرضين.
وقيل الخرج : ما تبرع به المعطي والخراج : ما لزمه أداؤه.
وفي "الكشاف" : والوجه أن الخرج أخص من الخراج ( يريد أن الخرج أعم كما أصلح عبارته صاحب "الفرائد" في نقل الطيبي ) كقولك خراج القرية وخرج الكردة زيادة اللفظ لزيادة المعنى، ولذلك حسنت قراءة من قرأ ﴿ خرجاً فخراج ربك خير ﴾ يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلاً من عطاء الخلق فالكثير من عطاء الخالق خير" أ هـ.


الصفحة التالية
Icon