قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا يحتمل والأول أظهر، وقوله ﴿ في غمرة ﴾ يريد في ضلال قد غمرها كما يفعل الماء الغمر بما حصل فيه، وقوله ﴿ من هذا ﴾، يحتمل أن يشير إلى القرآن، ويحتمل أن يشير إلى كتاب الإحصاء، ويحتمل أن يشير إلى الأَعمال الصالحة المذكورة قبل، أي هم في غمرة من اطراحها وتركها ويحتمل أن يشير إلى الدين بجملته أو إلى محمد ﷺ، وكل تأويل من هذه قالته فرقة، وقوله تعالى :﴿ ولهم أعمال من دون ذلك ﴾ الإشارة بذلك إلى الغمرة والضلال المحيط فمعنى الآية بل هم ضالون معرضون عن الحق ولهم مع ذلك سعايات فساد فوسمهم تعالى بحالتي شر، قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية، وعلى هذا التأويل فالإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه، وقالت فرقة الإشارة بذلك إلى قوله :﴿ من هذا ﴾ فكأنه قال : لهم أعمال من دون الحق، وقال الحسن بن أبي الحسن ومجاهد : إنما أخبر بقوله ﴿ ولهم أعمال ﴾ عما يستأنف من أعمالهم أي أنهم لهم أعمال من الفساد يستعملونها، و﴿ حتى ﴾ حرف ابتداء لا غير، و﴿ إذا ﴾ والثانية التي هي جواب تمنعان من أن تكون ﴿ حتى ﴾ غاية ل ﴿ عاملون ﴾، و" المترف " هو المنعم في الدنيا الذي هو منها في سرف وهذه حال شائعة في رؤساء الكفرة من كل أمة و﴿ يجأرون ﴾ معناه يستغيثون بصياح كصياح البقر وكثر استعمال الجؤار في البشر ومنه قول الأعشى :[ المتقارب ]
يراوح من صلوات المليك... فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا
وذهب مجاهد وغيره إلى أن هذا العذاب المذكور وهو الوعيد بيوم بدر وفيه نفذ على ﴿ مترفيهم ﴾ والضمير في قوله ﴿ إذا هم ﴾ يحتمل أن يعود على " المترفين " فقط لأنهم صاحوا حين نزل بهم الهزم والقتل يوم بدر، ويحتمل أن يعود على الباقين بعد المعذبين وقد حكى ذلك الطبري عن ابن جريح قال : المعذبون قتلى بدر والذين ﴿ يجأرون ﴾ قتلى مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا.


الصفحة التالية
Icon