ولما حلف أبو بكر رضي اللّه عنه بان لا ينفق على مسطح لا شتراكه بالإفك أنزل اللّه جل شأنه الحكم الثامن والتاسع من الآيات البينات بقوله جل قوله "وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ" من الاليّة وهو القسم أي لا يحلف، والمراد بالضمير على ما أجمع عليه المفسرون أبو بكر رضي اللّه عنه، ولا يمنع خصوصها فيه عمومها في غيره، لأن العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب "أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" الّذين منهم مسطح المذكور ابن خالته، وهو مسكين مهاجر "وَلْيَعْفُوا" عمّا صدر منهم "وَلْيَصْفَحُوا" عما بدر منهم من السّوء "أَ لا تُحِبُّونَ" أيها المؤمنون "أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ" بمقابل ما تغفرون بعضكم لبعض "وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (٢٢) لمن يجرؤ عليه وينسب له الشّريك والولد والصّاحبة وينكر وعده ويكذب رسله ويجحد كتابه إذا تاب وأناب، ألا فتخلقوا بأخلاق ربكم وليرحم بعضكم بعضا ابتغاء وجه اللّه وطلبا لمرضاته وطمعا في ثوابه.
قال أكثر المفسرين إن المراد بهذه الآية أيضا أبو بكر رضي اللّه عنه والخطاب له خاصة، وإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قرأها عليه فقال بلى واللّه أحب مغفرة اللّه، وارجع نفقة مسطح التي كنت أنفقها عليه ولا أنزعها عنه أبدا.
وهذه الآية في فضل أبي بكر على غيره
بعد محمد صلّى اللّه عليه وسلم، لان اللّه تعالى ذكرها في معرض المدح وفي لفظ الجمع مما يدل على علو شأنه عند ربه، ويدخل في عمومها كلّ من حذا حذوه.
ومن هنا أخذ الحكم الشّرعي وهو من حلف على يمين ورأى خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه بنص هذه الآية.
وقد جاءت أحاديث الرّسول بمثلها كما قدمناه في الآية ٢٢٢ من البقرة المارة.