وأما الفرّاء والمبرد والزجاج فإن الرفع عندهم هو الأوجه، والخبر في قوله :"فاجلدوا" ؛ لأن المعنى : الزانية والزاني مجلودان بحكم الله ؛ وهو قول جيد، وهو قول أكثر النحاة.
وإن شئت قدّرت الخبر : ينبغي أن يجلدا.
وقرأ ابن مسعود "والزان" بغير ياء.
الرابعة : ذكر الله سبحانه وتعالى الذَّكَر والأنثى، والزاني كان يكفي منهما ؛ فقيل : ذكرهما للتأكيد ؛ كما قال تعالى :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ].
ويحتمل أن يكون ذكرهما هنا لئلا يظن ظانّ أن الرجل لما كان هو الواطىء والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها حدّ ؛ فذكرها رفعاً لهذا الإشكال الذي أوقع جماعة من العلماء منهم الشافعيّ.
فقالوا : لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان ؛ لأنه قال جامعت أهلي في نهار رمضان ؛ فقال له النبيّ ﷺ :"كفِّر".
فأمره بالكفارة، والمرأةُ ليست بمجامعة ولا واطئة.
الخامسة : قُدّمت "الزانية" في هذه الآية من حيث كان في ذلك الزمان زِنَى النساء فاش، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكنّ مجاهراتٍ بذلك.
وقيل : لأن الزنى في النساء أعر وهو لأجل الحبل أضر.
وقيل : لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب ؛ فصدّرها تغليظاً لتَرْدَع شهوتها، وإن كان قد رُكِّب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله.
وأيضاً فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهنّ الحجب والصيانة فقدم ذكرهنّ تغليظاً واهتماماً.
السادسة : الألف واللام في قوله :"الزانية والزاني" للجنس، وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة.
ومن قال بالجلد مع الرجم قال : السُّنة جاءت بزيادة حكم فيقام مع الجلد.
وهو قول إسحاق بن رَاهْوَيْه والحسن بن أبي الحسن، وفعله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بشُرَاحة، وقد مضى في "النساء" بيانه.
وقال الجمهور : هي خاصة في البكرين، واستدلوا على أنها غير عامّة بخروج العبيد والإماء منها.


الصفحة التالية
Icon