: إن بتقدير كون الجلد كمال الحد فإنه يتعلق بذلك رد الشهادة ولو جعلناه بعض الحد لزال ذلك الحكم، فثبت أن إيجاب التغريب يقتضي نسخ الآية ثانيها : قال أبو بكر الرازي لو كان النفي مشروعاً مع الجلد لوجب على النبي ﷺ عند تلاوة الآية توقيف الصحابة عليه لئلا يعتقدوا عند سماع الآية أن الجلد هو كمال الحد ولو كان كذلك لكان اشتهاره مثل اشتهار الآية، فلما لم يكن خبر النفي بهذه المنزلة بل كان وروده من طريق الآحاد علم أنه غير معتبر وثالثها : ما روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال في الأمة :
" إذا زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بطفير " وفي رواية أخرى :" فليجلدها الحد ولا تثريب عليه " ووجه الاستدلال به أنه لو كان النفي ثابتاً لذكره مع الجلد ورابعها : أنه إما أن يشرع التغريب في حق الأمة أو لا يشرع، ولا جائز أن يكون مشروعاً لأنه يلزم منه الإضرار بالسيد من غير جناية صدرت منه وهو غير جائز، ولأنه قال ﷺ :" بيعوها ولو بطفير " ولو وجب نفيها لما جاز بيعها لأن المكنة من تسليمها إلى المشتري لا تبقى بالنفي ولا جائز أن لا يكون مشروعاً لقوله تعالى :﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب﴾ [ النساء : ٢٥ ] وخامسها : أن التغريب لو كان مشروعاً في حق الرجل لكان إما أن يكون مشروعاً في حق المرأة أو لا يكون، والثاني باطل لأن التساوي في الجناية قد وجد في حقهما، وإن كان مشروعاً في حق المرأة فإما أن يكون مشروعاً في حقها وحدها أو مع ذي محرم والأول غير جائز للنص والمعقول، أما النص فقوله عليه السلام :" لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم " وأما المعقول فهو أن الشهوة غالبة في النساء، والانزجار بالدين إنما يكون في الخواص من الناس، فإن الغالب لعدم الزنا من النساء بوجود الحفاظ من الرجال، وحيائهن من الأقارب.


الصفحة التالية
Icon