وإذا ظهر اندرج تحت الحديث وتحت الآية، أو نقيسه على الإقرار بالقتل والردة، واحتج أبو حنيفة رحمه الله بوجوه : أحدها : قصة ماعز والاستدلال بها من وجوه : الأول : أنه عليه السلام أعرض عنه في المرة الأولى، ولو وجب عليه الحد لم يعرض عنه، لأن الإعراض عن إقامة حد الله تعالى بعد كمال الحجة لا يجوز الثاني : أنه عليه السلام قال :" إنك شهدت على نفسك أربع مرات " ولو كان الواحد مثل الأربع في إيجاب الحد كان هذا القول لغواً والثالث : روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لماعز بعدما أقر ثلاث مرات :" لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله " والرابع : عن بريدة الأسلمي قال :"كنا معشر أصحاب النبي ﷺ نقول لو لم يقر ماعز أربع مرات ما رجمه رسول الله ﷺ " وثانيها : أنهم قاسوا الإقرار على الشهادة فكما أنه لا يقبل في الزنا إلا أربع شهادات فكذا في الإقرار به والجامع السعي في كتمان هذه الفاحشة وثالثها : أن الزنا لا ينتفي إلا بأربع شهادات أو بأربع أيمان في اللعان فجاز أيضاً أن لا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات، وبه يفارق سائر الحقوق فإنها تنتفي بيمين واحد، فجاز أيضاً أن يثبت بإقرار واحد والجواب : عن الأول أنه ليس في الحديث إلا أنه عليه السلام حكم بالشهادات الأربع وذلك لا ينافي جواز الحكم بالشهادة الواحدة وعن الثاني : أن الفرق بينهما أن المقذوف لو أقر بالزنا مرة لسقط الحد عن القاذف، ولولا أن الزنا ثبت لما سقط كما لو شهد اثنان بالزنا لا يسقط الحد عن القاذف حيث لم يثبت به الزنا والله أعلم.
والطريق الثالث : الشهادة وقد أجمعوا على أنه لا بد من أربع شهادات، ويدل عليه قوله تعالى :﴿فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ﴾ [ النساء : ١٥ ] والكلام فيه سيأتي إن شاء الله تعالى في قوله :﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء﴾ [ النور : ٤ ].


الصفحة التالية
Icon