البحث الخامس : في أن المخاطب بقوله تعالى :﴿فاجلدوا﴾ من هو ؟ أجمعت الأمة على أن المخاطب بذلك هو الإمام، ثم احتجوا بهذا على وجوب نصب الإمام، قالوا لأنه سبحانه أمر بإقامة الحد، وأجمعوا على أنه لا يتولى إقامته إلا الإمام وما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وكان مقدوراً للمكلف فهو واجب فكان نصب الإمام واجباً، وقد مر بيان هذه الدلالة في قوله :﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [ المائدة : ٣٨ ] بقي ههنا ثلاث مسائل :
المسألة الأولى :
قال الشافعي رحمه الله السيد يملك إقامة الحد على مملوكه.
وهو قول ابن مسعود وابن عمر وفاطمة وعائشة.
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله لا يملك، وقال مالك يحده المولى من الزنا وشرب الخمر والقذف ولا يقطعه في السرقة وإنما يقطعه الإمام وهو قول الليث، واحتج الشافعي رحمه الله بوجوه : أحدها : قوله عليه السلام :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال عليه السلام :" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " وفي رواية أخرى " فليجلدها الحد " قال أبو بكر الرازي لا دلالة في هذه الأخبار، لأن قوله :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " هو كقوله :﴿الزانية والزانى فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ﴾ ومعلوم أن المراد منه رفعه إلى الإمام لإقامة الحد والمخاطبون بإقامة الحد هم الأئمة، وسائر الناس مخاطبون برفع الأمر إليهم حتى يقيموا عليهم الحدود فكذلك قوله :" أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " على هذا المعنى، وأما قوله :" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " فإنه ليس كل جلد حداً، لأن الجلد قد يكون على وجه التعزير، فإذا عزرنا فقد وفينا بمقتضى الحديث.
والجواب : أن قوله :