وقال الماوردى :
قوله تعالى :﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾ أي هذه سورة أنزلناها ويحتمل أن يكون قد خصها بهذا الافتتاح لأمرين :
أحدهما : أن المقصود الزجر والوعيد فافتتحت بالرهبة كسورة التوبة.
الثاني : أن فيها تشريفاً للنبي ﷺ بطهارة نسائه فافتتحت بذكر والسورة اسم للمنزلة الشريفة ولذلك سميت السورة من القرآن سورة قال الشاعر :
ألم تَرَ أنَّ اللَّهَ أعْطَاكَ سُورةً... ترى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ فيه قراءتان بالتخفيف وبالتشديد
. فمن قرأ بالتخفيف ففي تأويله وجهان :
أحدهما : فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام، قاله مجاهد.
الثاني : قدرنا فيها الحدود من قوله تعالى :﴿ فنصف ما فرضتم ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] أي قدرتم، قاله عكرمة.
ومن قرأ بالتشديد ففي تأويله وجهان :
أحدهما : معناه تكثير ما فرض فيها من الحلال والحرام، قاله ابن عيسى.
الثاني : معناه بيناها، قاله ابن عباس.
﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهآ ءَايَاتٍ بَيِّناتٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أنها الحجج الدالة على توحيده ووجوب طاعته.
الثاني : أنها الحدود والأحكام التي شرعها.
قوله تعالى :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ وإنما قدم ذكر الزانية على الزاني لأمرين :
أحدهما : أن الزنى منها أعَرُّ، وهو لأجل الحَبَل أضر.
الثاني : أن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب، وقدر الحد فيه بمائة جلدة من الحرية والبكارة، وهو أكثر حدود الجلد، لأن فعل الزنى أغلظ من القذف بالزنى، وزادت السنة على الجلد بتغريب عام بعده، لقول رسول الله ﷺ :" خُذُواْ عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ " ومنع العراقيون من التغريب اقتصاراً على الجلد وحده، وفيه دفع السنة والأثر.


الصفحة التالية
Icon