قال الشافعي رحمه الله لا فرق بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين، وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا شهدوا متفرقين لا يثبت وعليهم حد القذف، حجة الشافعي رحمه الله من وجوه : الأول : أن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين واللفظ الدال على ما به الاشتراك لا إشعار له بما به الامتياز، فالآتي بهم متفرقين يكون عاملا بالنص فوجب أن يخرج عن العهدة الثاني : كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاءوا مجتمعين يثبت إذا جاءوا متفرقين كسائر الأحكام، بل هذا أولى لأنهم إذا جاءوا متفرقين كان أبعد عن التهمة، وعن أن يتلقن بعضهم من بعض، فلذلك قلنا إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم ليظهر على عورة إن كانت في شهادتهم الثالث : أنه لا يشترط أن يشهدوا معاً في حالة واحدة، بل إذا اجتمعوا عند القاضي وكان يقدم واحد بعد آخر ويشهد فإنه تقبل شهادتهم، فكذا إذا اجتمعوا على بابه.
ثم كان يدخل واحد بعد واحد، حجة أبي حنيفة رحمه الله من وجهين : الأول : أن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى :﴿والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء﴾ أقصى ما في الباب أنهم عبروا عن ذلك القذف بلفظ الشهادة، وذلك لا عبرة به لأنه يؤدي إلى إسقاط حد القذف رأساً، لأن كل قاذف لا يعجزه لفظ الشهادة، فيجعل ذلك وسيلة إلى إسقاط الحد عن نفسه، ويحصل مقصوده من القذف الثاني : ما روي "أن المغيرة بن شعبة شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب أربعة : أبو بكرة ونافع ونفيع وقال زياد وكان رابعهم رأيت إستاً تنبو ونفساً يعلو ورجلاها على عاتقه كأذني حمار، ولا أدري ما وراء ذلك، فجلد عمر الثلاثة ولم يسأل هل معهم شاهد آخر" فلو قبل بعد ذلك شهادة غيرهم لتوقف، لأن الحدود مما يتوقف فيها ويحتاط.
المسألة الرابعة :


الصفحة التالية
Icon