وأما قوله تعالى :﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾ فاعلم أنهم اختلفوا في أن التوبة عن القذف كيف تكون، قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه، واختلف أصحابه في معناه فقال الأصطخري يقول : كذبت فيما قلت فلا أعود لمثله، وقال أبو إسحق لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقاً فيكون قوله كذبت كذباً والكذب معصية، والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى، بل يقول القاذف باطلاً ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه.
أما قوله :﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ فقال أصحابنا إنه بعد التوبة لا بد من مضي مدة عليه في حسن الحال حتى تقبل شهادته وتعود ولايته، ثم قدروا تلك المدة بسنة حتى تمر عليه الفصول الأربع التي تتغير فيها الأحوال والطباع كما يضرب للعنين أجل سنة، وقد علق الشرع أحكاماً بالسنة من الزكاة والجزية وغيرهما.
وأما قوله تعالى :﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فالمعنى أنه لكونه غفوراً رحيماً يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلاً إذ لو كان واجباً لما كان في قبوله غفوراً رحيماً، لأنه إذا كان واجباً فهو إنما يقبله خوفاً وقهراً لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيهاً، ولخرج عن حد الإلهية.
أما إذا لم يكن واجباً فقبله.
فهناك تتحقق الرحمة والإحسان وبالله التوفيق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٣ صـ ١٣٣ ـ ١٤٣﴾


الصفحة التالية
Icon