وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ دَلَالَةِ فَحْوَى اللَّفْظِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ يَعْنِي : عَلَى صِحَّةِ مَا رَمَوْهُ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مِنْ الشُّهُودِ إنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ فِي الزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ مَعْنَاهُ : يَرْمُونَهُنَّ بِالزِّنَا.
وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَذْفَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إنَّمَا هُوَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَهُوَ الَّذِي إذَا جَاءَ بِالشُّهُودِ عَلَيْهِ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا مَا فِي فَحْوَى اللَّفْظِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الرَّمْيِ مَخْصُوصًا بِالزِّنَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَقَعُ
الرَّمْيُ بِهَا ؛ إذْ قَدْ يَرْمِيهَا بِسَرِقَةٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَكُفْرٍ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمَحْظُورَةِ، وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ حُكْمِهِ بَلْ كَانَ يَكُونُ مُجْمَلًا مَوْقُوفَ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيَانِ، إلَّا أَنَّهُ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ الْحَالُ فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ بِالزِّنَا مُرَادٌ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ بِالزِّنَا ؛ إذْ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الزِّنَا مُرَادٌ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِهِ فِي اللَّفْظِ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ حَدِّ الْقَذْفِ مَقْصُورًا عَلَى الْقَذْفِ بِالزِّنَا دُونَ غَيْرِهِ.


الصفحة التالية
Icon