ثانياً : واستدلوا بفعل النبي ﷺ فقد تكرر الرجم في زمانه، فرجم ( ماعزاً ) و ( الغامدية ) ورجم أصحابه معه ولم يَروِ أحدٌ أنه جمع بينه وبين الجلد، فقطعنا بأنّ حد المحصن لم يكن إلا ( الرجم ) لا غير.
ثالثاً : واستدلوا بالمعقول أيضاً فقالوا : إن الغرض من الجلد الزجرُ والتأديبُ، فإذا حكمنا عليه بالرجم فلا يبقى ثمة داع إلى الجلد، لأن الجلد يَعرى عن المقصود الذي شرع الحد له وهو الانزجار، لأن هذا الشخص سيرجم حتى الموت فلا ينفع الجلد مع وجود الرجم. ومثله إذا وجب الغسل على إنسان يدخل معه الوضوء.
وأجابوا عن أدلة الظاهرية بأن حديث ( عبادة بن الصامت ) منسوخ بقول النبي ﷺ وفعله حيث رجم ولم يجلد، فوجب أن يكون الخبر السابق منسوخاً... وأما استدلالهم بالعموم في الآية الكريمة فغير مسلّم لأن الآية كما يقول الجمهور خاصة ب ( البكرين ) وليست عامة بدليل خروج العبيد والإماء منها حيث أن حد العبد خمسون جلدة لا مائة جلدة وهذا يدفع العموم.
وأجابوا عن فعل علي كرم الله وجهه بشراحة حيث جلدها ثم رجمها بن هذا رأيٌ له لا يقاوم الثابت الصحيح عن رسول الله ﷺ من قوله وفعله، وكذلك لا يقاوم إجماع غيره من الصحابة، ويمكن حمله على أنه لم يثبت عنده الإحصان إلا بعد الجلد فأخبِرَ أولاً بأنها بكر فجلدها، ثم أُخبِرَ بأنها محصنة أي ( متزوجة ) فرجمها ويشبه هذا ما رواه جابر رضي الله عنه أن رجلاً زنى بامرأة، فأمر به النبي ﷺ فجلد الحَدّ ثم أُخبر أنه محصن فأمر به فرجم.
الترجيح : وبهذا يتبين لنا قوة أدلة الجمهور وضعف أدلة الظاهرية والله أعلم.
الحكم الرابع : هل يُنْقى الزاني ويغرّبُ من بلده؟
يرى الإمام ( أبو حنيفة ) أن حدّ الزاني البكر هو الجلد مائة جلدة أو النفي ليس من الحد في شيء وأنه مفوض إلى رأي الإمام إن شاء غرّب وإن شاء ترك.