وإلى هذا ذهب مالك وأهل المدينة ؛ وهو قول الشافعيّ وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثَوْر.
وأيضاً فإن اللعان يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق ؛ فكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه.
واللعان أيمان لا شهادات ؛ قال الله تعالى وهو أصدق القائلين :﴿ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا ﴾ [ المائدة : ١٠٧ ] أي أيماننا.
وقال تعالى :﴿ إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴾ [ المنافقون : ١ ].
ثم قال تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ [ المجادلة : ١٦ ].
وقال عليه السلام :" لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " وأما ما احتج به الثورِيّ وأبو حنيفة فهي حجج لا تقوم على ساق ؛ منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :" أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان " أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طرق ضعفها كلَّها.
وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ﴾ وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته.
وأيضاً فلو كانت يميناً ما رُدّدت، والحكمة في ترديدها قيامها في الأعداد مقام الشهود في الزنى.
قلنا : هذا يبطل بيمين القَسَامة فإنها تُكَرّر وليست بشهادة إجماعاً ؛ والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج والدماء.
قال ابن العربي : والفَيْصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لأحد أن يدّعي في الشريعة أن شاهداً يشهد لنفسه بما يوجب حكماً على غيره! هذا بعيد في الأصل معدوم في النظر.


الصفحة التالية
Icon