السادسة : واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس ؛ فقال مالك والشافعيّ : يلاعن ؛ لأنه ممن يصح طلاقه وظِهاره وإيلاؤه، إذا فُهم ذلك عنه.
وقال أبو حنيفة : لا يلاعن ؛ لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحدّ عليه.
وقد تقدم هذا المعنى في سورة "مريم" والدليل عليه، والحمد لله.
السابعة : قال ابن العربي : رأى أبو حنيفة عموم الآية فقال : إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن يتزوجها فإنه يلاعن ؛ ونسي أن ذلك قد تضمّنه قوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ وهذا رماها محصنة غير زوجة ؛ وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب، وهذا قذف لا يلحق فيه نسب فلا يوجب لعاناً، كما لو قذف أجنبية.
الثامنة : إذا قذفها بعد الطلاق نظرت ؛ فإن كان هنالك نسب يريد أن ينقيه أو حَمْل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن.
وقال عثمان البَتِّي : لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة.
وقال أبو حنيفة.
لا يلاعن في الوجهين ؛ لأنها ليست بزوجة.
وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفاً، بل هذا أولى ؛ لأن النكاح قد تقدم وهو يريد الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يُلحق به فلا بُدّ من اللعان.
وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به، وكان قذفاً مطلقاً داخلاً تحت عموم قوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ الآية، فوجب عليه الحدّ وبطل ما قاله البَتِّي لظهور فساده.
التاسعة : لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدّة إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون الرجل غائباً فتأتي امرأته بولد في مغيبه وهو لا يعلم فيطلّقها فتنقضي عدّتها، ثم يَقْدَم فينفيه فله أن يلاعنها هاهنا بعد العدّة.
وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدّة من العدّة، ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.