وقرىء ﴿ تَكُنْ ﴾ بالتاء الفوقية وقراءة الجمهور أفصح ﴿ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ﴾ بدل من ﴿ شُهَدَاء ﴾ لأن الكلام غير موجب والمختار فيه الإبدال أو إلا بمعنى غير صفة لشهداء ظهر إعرابها على ما بعدها لكونها على صورة الحرف كما قالوا في أل الموصولة الداخلة على أسماء الفاعلين مثلاً، وفي جعلهم من جملة الشهداء إيذان كما قيل من أول الأمر بعدم إلغاء قولهم بالمرة ونظمه في سلك الشهادة وبذلك ازداد حسن إضافة الشهادة إليهم في قوله تعالى :﴿ فشهادة أَحَدِهِمْ ﴾ أي شهادة كل واحد منهم وهو مبتدأ وقوله سبحانه :﴿ أَرْبَعُ شهادات ﴾ خبره أي فشهادتهم المشروعة أربع شهادات ﴿ بالله ﴾ متعلق بشهادات، وجوز بعضهم تعلقه بشهادة.
وتعقب بأنه يلزم حينئذٍ الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي وهو الخبر، وأنت تعلم أن في كون الخبر أجنبياً كلاماً وأن بعض النحويين أجاز الفصل مطلقاً وبعضهم أجاز فيما إذا كان المعمول ظرفاً كما هنا.
وقرأ الأكثر ﴿ أَرْبَعُ ﴾ بالنصب على المصدرية والعامل فيه ﴿ شَهَادَةً ﴾ وهي خبر مبتدأ محذوف أي فالواجب شهادة أو مبتدأ خبره محذوف أي فعليهم شهادة أو فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله واجبة أو كافية، ولا خلاف في جواز تعلق الجار على هذه القراءة بكل من الشهادة والشهادات وإنما الخلاف في الأولى ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين ﴾ أي فيما رماها به من الزنا، والأصل على أنه الخ فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنها باللام للتأكيد، ولا يختص التعليق بأفعال القلوب بل يكون فيما يجري مجراها ومنه الشهادة لإفادتها العلم، وجوز أن تكون الجملة جواباً للقسم بناءً على أن الشهادة هنا بمعنى القسم حتى قال الراغب.
إنه يفهم منها ذلك وإن لم يذكر ﴿ بالله ﴾ وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك.


الصفحة التالية
Icon