وقد أطال أهل الأصول الكلام في القيد الواقع بعد جمل بما هو معروف عند من يعرف ذلك الفنّ، والحق هو هذا، والاحتجاج بما وقع تارة من القيود عائداً إلى جميع الجمل التي قبله، وتارة إلى بعضها لا تقوم به حجة، ولا يصلح للاستدلال، فإنه قد يكون ذلك لدليل كما وقع هنا من الإجماع على عدم رجوع هذا الاستثناء إلى جملة الجلد.
ومما يؤيد ما قررناه ويقوّيه أن المانع من قبول الشهادة، وهو الفسق المتسبب عن القذف قد زال، فلم يبق ما يوجب الردّ للشهادة.
واختلف العلماء في صورة توبة القاذف، فقال عمر ابن الخطاب، والشعبي، والضحاك، وأهل المدينة : إن توبته لا تكون إلاّ بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي وقع منه، وأقيم عليه الحدّ بسبببه.
وقالت فرقة منهم مالك، وغيره : إن توبته تكون بأن يحسن حاله، ويصلح عمله، ويندم على ما فرط منه، ويستغفر الله من ذلك، ويعزم على ترك العود إلى مثله.
وإن لم يكذب نفسه، ولا رجع عن قوله.
ويؤيد هذا الآيات والأحاديث الواردة في التوبة، فإنها مطلقة غير مقيدة بمثل هذا القيد.
وقد أجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الذنب، ولو كان كفراً فتمحو ما هو دون الكفر بالأولى هكذا حكى الإجماع القرطبي.
قال أبو عبيدة : الاستثناء يرجع إلى الجمل السابقة، وليس من رمى غيره بالزنا بأعظم جرماً من مرتكب الزنا، والزاني إذا تاب قبلت شهادته، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا قبل الله التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى، مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن منها قوله :﴿ إِنَّمَا جَزَاء الذين يُحَارِبُونَ الله ﴾ إلى قوله :
﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ ﴾ [ المائدة : ٣٣ ٣٤ ].
ولا شك أن هذا الاستثناء يرجع إلى الجميع.