أما قوله :﴿مّنكُمْ﴾ فالمعنى أن الذين أتوا بالكذب في أمر عائشة جماعة منكم أيها المؤمنون، لأن عبد الله كان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهراً ورابعها : أنه سبحانه شرح حال المقذوفة ومن يتعلق بها بقوله :﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ والصحيح أن هذا الخطاب ليس مع القاذفين، بل مع من قذفوه وآذوه، فإن قيل هذا مشكل لوجهين : أحدهما : أنه لم يتقدم ذكرهم والثاني : أن المقذوفين هما عائشة وصفوان فكيف تحمل عليهما صيغة الجمع في قوله :﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ﴾، والجواب عن الأول : أنه تقدم ذكرهم في قوله :﴿مّنكُمْ﴾ وعن الثاني : أن المراد من لفظ الجمع كل من تأذى بذلك الكذب واغتم، ومعلوم أنه ﷺ تأذى بذلك وكذلك أبو بكر ومن يتصل به، فإن قيل فمن أي جهة يصير خيراً لهم مع أنه مضرة في العاجل ؟ قلنا لوجوه : أحدها : أنهم صبروا على ذلك الغم طلباً لمرضاة الله تعالى فاستوجبوا به الثواب وهذه طريقة المؤمنين عند وقوع الظلم بهم وثانيها : أنه لولا إظهارهم للإفك كان يجوز أن تبقى التهمة كامنة في صدور البعض، وعند الإظهار انكشف كذب القوم على مر الدهر وثالثها : أنه صار خيراً لهم لما فيه من شرفهم وبيان فضلهم من حيث نزلت ثمان عشرة آية كل واحدة منها مستقلة ببراءة عائشة وشهد الله تعالى بكذب القاذفين ونسبهم إلى الإفك وأوجب عليهم اللعن والذم وهذا غاية الشرف والفضل ورابعها : صيرورتها بحال تعلق الكفر والإيمان بقدحها ومدحها فإن الله تعالى لما نص على كون تلك الواقعة إفكاً وبالغ في شرحه فكل من يشك فيه كان كافراً قطعاً وهذه درجة عالية، ومن الناس من قال قوله تعالى :﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ﴾ خطاب مع القاذفين وجعله الله تعالى خيراً لهم من وجوه : أحدها : أنه صار ما نزل من القرآن مانعاً لهم من الاستمرار عليه فصار مقطعة لهم عن إدامة هذا الإفك وثانيها : صار خيراً