فهذا الظلم من مسطح كان في غاية العظم وقد امره الله تعالى بالصفح عنه، وامتثل هو فكان فيه نهاية جهاد النفس فيكون ثوابه على حسن ذلك. وأيضاً في تسميته أولي الفضل والسعة شرف تام فكأنه قيل له : أنت أفضل من أن تقابل إنساناً بسوء وأنت أوسع قلباً من أن تقيم للدنيا وزناً فلا يليق بفضلك وسعة قلبك أن يقطع برك عمن اساء إليك. وأيضاً أرمه الله تعالى بالعفو والصفح وقال لنبيه ﴿ فاعف عنهم واصفح ﴾ [ المائدة : ١٣ ] فهو من هذه الجهة ثاني اثنين له في الأخلاق. وأيضاً علق المغفرة بالعفو وقد حصل العفو فتحصل المغفرة ألبتة في الحال وفي الاستقبال لقوله ﴿ أن يغفر ﴾ فهو للاستقبال فيكون كما قال لنبيه ﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ [ الفتح : ٢ ] وفيه دليل على حقية خلافته وإلا كان عاصياً والعاصي في النار. وليس النهي في قوله ﴿ ولا يأتل ﴾ نهي زجر عن المعصية ولكنه ندب إلى الأولى والأفضل وهو العفو. عن النبي ﷺ " أفضل أخلاق المسلمين العفو " وعنه ﷺ " لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه " واعلم أن العلماء أجمعوا على أن مسطحاً كان مذنباً لأنه أتى بالقذف أو رضي به على الروايتين عن ابن عباس، ولهذا حده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأجمعوا ايضاً على أنه من البدريين وقد ورد فيهم الخبر الصحيح " لعل الله نظر إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فكيف الجمع بين الأمرين؟ أجابوا أنه ليس المراد من قوله " اعملوا ما شئتم " أنهم خارجون عن حد التكليف وإنما المراد اعملوا من النوافل ما شئتم قليلاً أو كثيراً فقد أعطيتكم الدرجات العليات في الجنة، أو اراد حسن حالهم في العاقبة أنهم يوافون بالطاعة فكأنه قال : قد غفرت لكم لعلمي بأنكم تموتون على التوبة والإنابة. قالت الأشاعرة : في وصف مسطح ومدحه بكونه من المهاجرين دليل على أن ثواب كونه مهاجراً لم