ولما كان المقام صعباً لميل النفوس إلى الدنايا واتباعها للشهوات، علل هذا الأمر مرغباً ومرهباً بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي لا يخفى عليه شيء لما له من الإحاطة الكاملة ﴿خبير﴾ ولما كان وازع الحياء مع ذلك مانعاً عظيماً فلا يخالف إلا بمعالجة وتدرب، عبر بالصنعة فقال :﴿بما يصنعون﴾ أي وإن تناهوا في إخفائه، ودققوا في تدبير المكر فيه.
ولما بدأ بالقومة من الرجال، ثنى بالنساء فقال :﴿وقل للمؤمنات﴾ فرغب أيضاً بذكر هذا الوصف الشريف ﴿يغضضن﴾ ولما كان المراد الغض عن بعض المبصرات وهم المحارم قال :﴿من أبصارهن﴾ فلا يتبعنها النظر إلى منهي عنه رجل أو غيره، وأجابوا عن حديث عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا في النظر إلى لعب الحبشة في المسجد باحتمال أنها كانت دون البلوغ لأنها قالت : فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو.
﴿ويحفظن فروجهن﴾ عما لا يحل لهن من كشف وغيره.
ولما كان النساء حبائل الشيطان، أمرن بزيادة الستر بقوله : ناهياً عن الزينة ليكون النهي عن مواقعها من الجسد أشد وأولى ﴿ولا يبدين زينتهن﴾ أي كالحلي والفاخر من الثياب فكيف بما وراءها ﴿إلا ما ظهر منها﴾ أي كان بحيث يظهر فيشق التحرز في إخفائه فبدا من غير قصد كالسوار والخاتم والكحل فإنها لا بد لها من مزاولة حاجتها بيدها ومن كشف وجهها في الشهادة ونحوها.
ولما كان أكثر الزينة في ألأعناق والأيدي والأرجل، وكان دوام ستر الأعناق أيسر وأمكن، خصها فقال :﴿وليضربن﴾ من الضرب، وهو وضع الشيء بسرعة وتحامل، يقال : ضرب في عمله : أخذ فيه، وضرب بيده إلى كذا : أهوى، وعلى يده : أمسك، وضرب الليل بأوراقه : أقبل، والضارب : الليل الذي ذهبت ظلمته يميناً وشمالاً وملأت الدنيا، والضارب : الطويل من كل شيء والمتحرك.