ولما كان الإكراه على الزنى لا يصح إلا عند العفة، وكان ذلك نادراً من أمة، قال :﴿إن﴾ بأداة الشك ﴿أردن تحصناً﴾ وفي ذلك زيادة تقبيح للإكراه على هذا الفعل حيث كانت النساء مطلقاً يتعففن عنه مع أنهن مجبولات على حبه، فكيف إذا لم يمنعهن مانع خوف أو حياء كالإماء، فكيف إذا أذن لهن فيه.
فكيف إذا ألجئن إليه، وأشار بصيغة التفعل وذكر الإرادة إلى أن ذلك لا يكون إلا عن عفة بالغة، وزاد في تصوير التقبيح بذكر علة التزام هذا العار في قوله :﴿لتبتغوا﴾ أي تطلبوا طلباً حثيثاً فيه رغبة قوية بإكراههن على الفعل الفاحش ﴿عرض الحياة الدنيا﴾ فإن العرض متحقق فيه الزوال، والدنيا مشتقة من الدناءة.
ولما نهى سبحانه عن الإكراه، رغب الموالي في التوبة عند المخالفة فيه فقال :﴿ومن يكرههن﴾ دون أن يقول : وإن أكرهن، وعبر بالمضارع إعلاماً بأن يقبل التوبة ممن خالف بعد نزول الآية، وعبر بالاسم العلم في قوله :﴿فإن الله﴾ إعلاماً بأن الجلال غير مؤيس من الرحمة، ولعله عبر بلفظ " بعد " إشارة إلى العفو عن الميل إلى ذلك الفعل عند مواقعته إن رجعت إلى الكراهة بعده، فإن النفس لا تملك بغضه حينئذ، فقال :﴿من بعد إكراههن غفور﴾ أي لهن وللموالي، يستر ذلك الذنب إن تابوا ﴿رحيم﴾ بالتوفيق للصنفين إلى ما يرضيه.


الصفحة التالية
Icon