ولا جائز أن تكون ساكنة لأن السكون لو كان أزلياً لكان ممتنع الزوال لكن السكون جائز الزوال، لأنا نرى الأنوار تنتقل من مكان إلى مكان فدل ذلك على حدوث الأنوار وسادسها : أن النور إما أن يكون جسماً أو كيفية قائمة بالجسم، والأول محال لأنا قد نعقل الجسم جسماً مع الذهول عن كونه نيراً ولأن الجسم قد يستنير بعد أن كان مظلماً فثبت الثاني لكن الكيفية القائمة بالجسم محتاجة إلى الجسم، والمحتاج إلى الغير لا يكون إلهاً، وبمجموع هذه الدلائل يبطل قول المانوية الذين يعتقدون أن الإله سبحانه هو النور الأعظم.
وأما المجسمة المعترفون بصحة القرآن فيحتج على فساد قولهم بوجهين : الأول : قوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء﴾ [ الشورى : ١١ ] ولو كان نوراً لبطل ذلك لأن الأنوار كلها متماثلة الثاني : أن قوله تعالى :﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ صريح في أنه ليس ذاته نفس النور بل النور مضاف إليه.
وكذا قوله :﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ فإن قيل قوله :﴿الله نُورُ السموات﴾ يقتضي ظاهره أنه في ذاته نور.
وقوله :﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ يقتضي أن لا يكون هو في ذاته نوراً وبينهما تناقض، قلنا نظير هذه الآية قولك زيد كرم وجود، ثم تقول ينعش الناس بكرمه وجوده، وعلى هذا الطريق لا تناقض الثالث : قوله سبحانه وتعالى :﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [ الأنعام : ١ ] وذلك صريح في أن ماهية النور مجعولة لله تعالى فيستحيل أن يكون الإله نوراً، فثبت أنه لا بد من التأويل، والعلماء ذكروا فيه وجوهاً : أحدها : أن النور سبب للظهور والهداية لما شاركت النور في هذا النور في هذا المعنى صح إطلاق اسم النور على الهداية وهو كقوله تعالى :﴿الله وَلِيُّ الذين ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ].


الصفحة التالية
Icon