ولما كان من الزجاج ما هو في غاية الصفاء، بين أن هذه منه فقال :﴿الزجاجة كأنها﴾ أي في شدة الصفاء ﴿كوكب﴾ شبهه بها دون الشمس والقمر لأنهما يعتريهما الخسوف ﴿دريّ﴾ أي متلألىء بالأنوار فإنه إذا كان في زجاجة صافية انعكست الأشعة المنفصلة عنه من بعض جوانب الزجاجة إلى بعض لما فيها من الصفاء والشفيف فيزداد النور ويبلغ النهاية كما أن شعاع الشمس إذا وقع على ماء أو زجاجة صافية تضاعف النور حتى أنه يظهر فيما يقابله مثل ذلك النور ؛ والدريّ - قال الزجاج : مأخوذ من درأ إذا اندفع منقضاً فتضاعف نوره.
ولما كان من المصابيح أيضاً ما يكون نوره ضعيفاً بين أن هذا ليس كذلك فقال :﴿يوقد﴾ أي المصباح، بأن اشتد وقده.
ولما كان هذا الضوء يختلف باختلاف ما يتقد فيه، فإذا كان دهناً صافياً خالصاً كان شديد، وكانت الأدهان التي توقد ليس فيها ما يظهر فيه الصفاء كالزيت لأنه ربما بلغ في الصفاء والرقة مبلغ الماء مع زيادة بياض وشعاع يتردد في أجزائه، قال :﴿من شجرة﴾ أي زيتها ﴿مباركة﴾ أي عظيمة الثبات والخيرات يطيب منبتها ﴿زيتونة ﴾.
ولما كان الزيت يختلف باختلاف شجرته في احتجابها عن الشمس وبروزها لها، لأن الشجر ربما ضعف وخبث ثمره بحائل بينه وبين الشمس، بين أن هذه الشجرة ليست كذلك فقال :﴿لا شرقية﴾ أي ليست منسوبة إلى الشرق وحده، لكونها بحيث لا يتمكن منها الشمس إلا عند الشروق لكنها في لحف جيل يظلها إذا تضيفت الشمس للغروب ﴿ولا غربية﴾ لأنها في سفح جبل يسترها من الشمس عند الشروق، بل هي بارزة للشمس من حين الشروق إلى وقت الغروب، ليكون ثمرها أنضج فيكون زيته أصفى، قال البغوي : هذا قول ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ في رواية عكرمة والكلبي والأكثرين.
فهي لزكاء عنصرها، وطهارة منبتها، وبروزها للشمس والرياح، بحيث ﴿يكاد زيتها﴾ لشدة صفائه ﴿يضيء ولو لم تمسسه نار ﴾.