ولما كان لا يتم وصفها بانتفاء الذل إلا بنفي السقي عنها وكان أمراً يتجدد ليس هو صفة لازمة كالذل عبر فيه بالفعل وأصحبه لا عطفاً على الوصف لا على تثير لئلا يفسد المعنى فقال واصفاً للبقرة ﴿ولا تسقي الحرث﴾ أي لا يتجدد منها سقيه بالسانية كل وقت، ويجوز أن يكون إثبات لا فيه تنبيهاً على حذفها قبل تثير، فيكون الفعلان المنفيان تفسيراً على سبيل الاستئناف للاذلول، وحذف لا قبل تثير لئلا يظن أنه معها وصف لذلول فيفسد المعنى، والمراد أنها لم تذلل بحرث ولا سقي ومعلوم من القدرة على ابتياعها وتسلمها للذبح أنها ليست في غاية الإباء كما آذن به الوصف بذلول، كل ذلك لما في التوسط من الجمع لأشتات الخير ﴿مسلّمة﴾ أي من العيوب ﴿لا شية﴾ أي علامة ﴿فيها﴾ تخالف لونها بل هي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها ﴿قالوا الآن﴾ أي في هذا الحد من الزمان الكائن الفاصل بين الماضي والآتي ﴿جئت بالحق﴾ أي الأمر الثابت المستقر البين من بيان وصف البقرة فحصلوها ﴿فذبحوها﴾ أي فتسبب عما تقدم كله أنهم ذبحوها ﴿وما كادوا﴾ أي قاربوا قبل هذه المراجعة الأخيرة ﴿يفعلون﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم لكنهم شددوا في السؤال فشدد الله عليهم - يعني أنهم كلفوا بالأسهل فشددوا فنسخ بالأشق، وهو دليل جواز النسخ قبل الفعل، أو يقال إنه لما كان السبت إنما وجب عليهم وابتلوا بالتشديد فيه باقتراحهم له وسؤالهم إياه بعد إبائهم للجمعة كما يأتى إن شاء الله تعالى بيانه عند قوله تعالى ﴿إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه﴾ [ النحل : ١٢٤ ] كان أنسب الأشياء تعقيبه بقصة البقرة التي ما شدد عليهم في أمرها إلا لتعنتهم فيه وإبائهم لذبح أيّ بقرة تيسرت، ويجوز أن يقال إنه لما كان من جملة ما استخفوا به السبت المسارعة إلى إزهاق ما لا يحصى من الأرواح الممنوعين منها من الحيتان وكان في قصة البقرة التعنت والتباطؤ عن إزهاق نفس واحدة أمروا بها