وقال أبو السعود :
﴿ والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ ﴾
أي كلَّ حيوانٍ يدبُّ على الأرض. وقُرىء خالقُ كلِّ دابةٍ بالإضافة ﴿ مِن مَّاء ﴾ هو جزءُ مادتِه أو ماءٍ مخصوصٍ هو النُّطفةُ فيكون تنزيلاً للغالب منزلةَ الكلِّ لأنَّ من الحيوانات ما يتولَّد لا عن نُطفةٍ وقيل : من ماءٍ متعلِّق بدابةٍ وليست صلةً لخَلَقَ ﴿ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على بَطْنِهِ ﴾ كالحيَّةِ وتسمية حركتِها مشياً مع كونِها زَحْفاً بطريقِ الاستعارةِ أو المُشاكلةِ ﴿ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى على رِجْلَيْنِ ﴾ كالإنسِ والطَّيرِ ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على أَرْبَعٍ ﴾ كالنَّعمِ والوحش وعدمُ التَّعرضِ لما يمشي على أكثرَ من أربعٍ كالعناكبِ ونحوِها من الحشرات لعدمِ الاعتدادِ بها. وتذكيرُ الضَّميرِ في منهم لتغليبِ العُقلاءِ، والتَّعبير عن الأصنافِ بكلمة مَن ليوافقَ التَّفصيلُ الإجمالَ، والتَّرتيبُ لتقديم ما هُو أعرفُ في القُدرةِ ﴿ يَخْلُقُ الله مَا يَشَاء ﴾ ممَّا ذُكر وممَّا لم يُذكرْ بسيطاً كان أو مركّباً على ما يشاء من الصُّورَ والأعضاء والهيئات والحَرَكات والطَّبائعِ والقُوَى والأفاعيلِ مع اتِّحادِ العُنصرِ. وإظهارُ الاسم الجليل في موضعِ الإضمارِ لتفخيمِ شأنِ الخلقِ المذكورِ والإيذانِ بأنَّه من أحكامِ الأُلوهيَّةِ ﴿ إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ ﴾ فيفعل ما يشاءُ كما يشاءُ. وإظهارُ الجلالةِ لما ذُكر مع تأكيد استقلال الاستئنافِ التعليليِّ.
﴿ لَّقَدْ أَنزَلْنَا ءايات مبينات ﴾ أي لكلِّ ما يليقُ بيانُه من الأحكام الدِّينيةِ والأسرار التَّكوينيَّةِ ﴿ والله يَهْدِى مَن يَشَاء ﴾ أنْ يهديَه بتوفيقِه للنَّظرِ الصَّحيحِ فيها وإرشادِه إلى التَّأملِ في مطاويها ﴿ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ ﴾ موصل إلى حقيقة الحقِّ والفوز بالجنَّةِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon