وهذا نظير قولك أفيه مرض أم غاب عن البلد أم يخاف من الواشي بعد قول : هجر الحبيب مثلاً فإن كون المعنى أسبب هجره أن فيه مرضاً أم سببه أنه غاب عن البلد أم سببه أنه يخاف من الواشي ظاهر جداً وهو كثير في المحاورات إلا أن الاستفهام في الآية إنكاري وهو لإنكار السببية، وقوله تعالى :﴿ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون ﴾ تعيين للسبب بعد إبطال سببية جميع ما تقدم ففيه تأكيد لما يفيده الاستفهام كأنه قيل : ليس شيء ما ذكر سبباً لذلك الإعراض، أما الأولان فلأنه لو كان شيء منهما سبباً له لأعرضوا عن المحاكمة إليه ﷺ عند كون الحق لهم ولما أتوا إليه عليه الصلاة والسلام مذعنين لحكمه لتحقق نفاقهم وارتيابهم حينئذ أيضاً، وأما الثالث فلانتفائه رأساً حيث كانوا لا يخافون الحيف أصلاً لمعرفتهم بتفاصيل أحواله عليه الصلاة والسلام في الأمانة والثبات على الحق بل سبب ذلك أنهم هم الظالمون يريدون أن يظلموا من الحق له عليهم ولا يتأتى مرامهم مع الانقياد إلى المحاكمة إليه عليه الصلاة والسلام فيعرضون عنها لأنه ﷺ يقضي بالحق عليهم، فمناط النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري والإضراب الإبطالي في الأولين هو وصف سببيتهما للإعراض فقط مع تحققهما في نفسهما، وفي الثالث هو الأصل والوصل جميعاً، وإذا خص الارتياب بما له جهة مصححة لعروضه لهم في الجملة كما فعل البعض حيث جعل المعنى أم ارتابوا بأن رأوا منه ﷺ تهمة فزالت ثقتهم ويقينهم به عليه الصلاة والسلام كان مناط النفي في الثاني كما في الثالث كذا قرره بعض الأجلة، و﴿ أَمْ ﴾ عليه متصلة وقد ذهب إلى أنها كذلك الزمخشري.