ولما كان العلم يوصف به ما هو سبب كالكتاب المصنف ونحوه، ويشتق للشيء اسم فاعل مما لابسه كما يقال : ليله قائم، ونهاره صائم، ﴿ولا تزال تطلع على خائنة منهم﴾ [ المائدة : ١٣ ] وكانت أسطر القدرة مجودة على كل كائن، شديدة الوضوح في صفحات كل شيء، فكانت الكائنات بذلك دالة على خالقها وما له من كل صفة كمال، صح إطلاق العلم عليها وإسناده إليها فقال :﴿كل﴾ أي من المخلوقات ﴿قد علم﴾ أي بما كان سبباً له من العلم بما فيه من الآيات الدالة المعلمة بما لموجده من صفات الكمال ﴿صلاته﴾ أي الوجه الذي به وصلته بمولاه ونسبته إليه ﴿وتسبيحه﴾ أي الحال الذي به براءة صانعه من الشين وتعاليه عن النقص، وقد صرحت بذلك ألسن أحوالها، نيابة عن بيان مقالها، هذا بقيامه صامتاً جامداً، وهذا بنموه مهتزاً رابياً، إلجاء وقهراً، وهذا بحركته بالإرادة، وقصد وجوه منافعه، وبعده عن أحوال مضاره بمجرد فطرته وما أودع في طبيعته، وهذا بنطقه وعقله، ونباهته وفضله، مع أن نسبة كل منهم إلى الأرض والسماء واحدة، ويدل على ذلك دلالة واضحة ما روى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ عن " النبي ـ ﷺ ـ أن نوحاً عليه السلام أوصى ابنه عند موته بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو كن حلقة مبهمة قصمتهن، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق وقال الغزالي في الإحياء : وروي " أن رجلاً جاء إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فقال : تولت عني الدنيا وقلت ذات يدي، فقال له رسول الله ـ ﷺ ـ :" فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون "، قال فقلت : وما هي يا رسول الله؟ قال :" سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله مائة مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلي الصبح، تأتيك الدنيا راغمة صاغرة، ويخلق الله من كل كلمة ملكاً يسبح الله


الصفحة التالية
Icon