وفي إرشاد العقل السليم أن النصب أقوى صناعة لكن الرفع أقعد معنى وأوفى لمقتضى المقام لما أن مصب الفائدة وموقع البيان في الجمل هو الخبر فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدوث وأوفر اشتمالاً على نسب خاصة بعيدة من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامع ولا ريب في أن ذلك ههنا في أن مع ما في حيزها أتم وأكمل فإذن هو أحق بالخبرية، وأما ما تفيده الإضافة من النسب المطلقة الإجمالية فحيث كانت قليلة الجدوى سهلة الحصول خارجاً وذهناً كان حقها أن تلاحظ ملاحظة مجملة وتجعل عنواناً للموضوع فالمعنى إنما كان مطلق القول الصادر عن المئمنين إذا دعوا إلى الله تعالى ورسوله ﷺ ليحكم بينهم وبين خصومهم أن يقولوا سمعنا الخ أي خصوصية هذا القول المحكي عنهم لا قولاً آخر أصلاً، وأما النصب فالمعنى عليه إنما كان قولاً للمؤمنين خصوصية قولهم ﴿ سَمِعْنَا ﴾ الخ ففيه من جهل أخص النسبتين وأبعدهما وقوعاً وحضوراً في الأذهان وأحقهما بالبيان مفروغاً عنها عنواناً للموضوع وإبراز ما هو بخلافها في معرض القصد الأصلي ما لا يخفى انتهى، وبحث فيه بعضهم بأن مساق الآية يقتضي أن يكون قول المؤمنين سمعنا وأطعنا في مقابلة إعراض المنافقين فحيث ذم ذلك على أتم وجه ناسب أن يمدح هذا، ولا شك أن الأنسب في مدحه الأخبار عنه لا الاخبار به فينبغي أن يجعل ﴿ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ اسم كان و﴿ قَوْلَ المؤمنين ﴾ خبرها وفي ذلك مدح لقولهم سمعنا وأطعنا إذ معنى كونه قول المؤمنين أنه قول لائق بهم ومن شأنهم على أن الأهم بالإفادة كون ذلك القول الخاص هو قولهم :﴿ إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي قولهم المقيد بما ذكر ليظهر أتم ظهور مخالفة حال قولهم سمعنا وأطعنا وحال قول المنافقين


الصفحة التالية
Icon