ثم ذكر تعالى أن تحفّظ الجميع منهن، واستعفافَهنّ عن وضع الثياب والتزامَهنّ ما يلزم الشباب أفضل لهن وخير.
وقرأ ابن مسعود "وأن يتعففن" بغير سين.
ثم قيل : من التبرج أن تلبس المرأة ثوبين رقيقين يصفانها.
روى الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :
" صِنفان من أهل النار لم أرهما قومٌ معهم سِيَاط كأذناب البَقَر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مائلات رؤوسهن كأَسْنِمة البُخْتِ المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن رِيحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " قال ابن العربي : وإنما جعلهنّ كاسيات لأن الثياب عليهنّ، وإنما وصفهنّ بأنهنّ عاريات لأن الثوب إذا رَقَّ يصفهنّ، ويبدي محاسنهنّ ؛ وذلك حرام.
قلت : هذا أحد التأويلين للعلماء في هذا المعنى.
والثاني : أنهنّ كاسيات من الثياب عارِياتٌ من لباس التّقْوَى الذي قال الله تعالى فيه :﴿ وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ ﴾ [ الأعراف : ٢٦ ].
وأنشدوا :
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التُّقَى...
تقلّب عُرْيَاناً وإن كان كاسِيا
وخيُر لباس المرء طاعةُ ربِّه...
ولا خيرَ فيمن كان لِلَّه عاصِيا
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال : قال رسول الله ﷺ :" بينا أنا نائم رأيت الناس يُعْرَضون عليّ وعليهم قُمُص منها ما يبلغ الثُّدِيَّ ومنها ما دون ذلك ومَرّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه" قالوا : ماذا أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال :"الدِّين " فتأويله ﷺ القميص بالدِّين مأخوذ من قوله تعالى :﴿ وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ ﴾.
والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالثياب ؛ كما قال شاعرهم :
ثياب بني عَوْف طَهارَى نَقِيَّة...
وقد " قال ﷺ لعثمان :"إن الله سيُلْبِسك قميصاً فإن أرادوك أن تخلعه فلا تخلعه" " فعبّر عن الخلافة بالقميص، وهي استعارة حسنة معروفة.


الصفحة التالية
Icon