المسألة الخامسة :
احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية على أن من سرق من ذي رحم محرم أنه لا يقطع لإباحة الله تعالى بهذه الآية الأكل من بيوتهم ودخولها بغير إذنهم، فلا يكون ماله محرزاً منهم، فإن قيل فيلزم أن لا يقطع إذا سرق من مال صديقه، قلنا من أراد سرقة ماله لا يكون صديقاً له.
أما قوله تعالى :﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً﴾ فقال أكثر المفسرين : نزلت الآية في بني ليث بن عمرو وهم حي من كنانة، كان الرجل منهم لا يأكل وحده يمكث يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئاً، وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم الله تعالى أن الرجل إذا أكل وحده لا حرج عليه، هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقال عكرمة وأبو صالح رحمهما الله : كانت الأنصار إذا نزل بواحد منهم ضيف لم يأكل إلا وضيفه معه، فرخص الله لهم أن يأكلوا كيف شاءوا مجتمعين ومتفرقين.
وقال الكلبي : كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعاماً عزلوا للأعمى طعاماً على حدة، وكذلك للزمن والمريض، فبين الله لهم أن ذلك غير واجب، وقال آخرون : كانوا يأكلون فرادى خوفاً من أن يحصل عند الجمعية ما ينفر أو يؤذي، فبين الله تعالى أنه غير واجب وقوله :﴿جَمِيعاً﴾ نصب على الحال ﴿وأشتاتاً﴾ جمع شت وشتى جمع شتيت وشتان تثنية شت قاله المفضل وقيل الشت مصدر بمعنى التفرق ثم يوصف به ويجمع.
أما قوله تعالى :﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ﴾ فالمعنى أنه تعالى جعل أنفس المسلمين كالنفس الواحدة على مثال قوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ [ النساء : ٢٩ ] قال ابن عباس : فإن لم يكن أحد فعلى نفسه ليقل السلام علينا من قبل ربنا، وإذا دخل المسجد فليقل السلام على رسول الله وعلينا من ربنا.
قال قتادة : وحدثنا أن الملائكة ترد عليه.


الصفحة التالية
Icon