وقال أبو حيان :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
لما افتتح السورة بقوله ﴿ سورة أنزلناها ﴾ وذكر أنواعاً من الأوامر والحدود مما أنزله على الرسول عليه السلام اختتمها بما يجب له عليه السلام على أمته من التتابع والتشايع على ما فيه مصلحة الإسلام ومن طلب استئذانه إن عرض لأحد منهم عارض، ومن توقيره في دعائهم إياه.
وقال الزمخشري : أراد عز وجل أن يريهم عظيم الجناية في ذهاب الذاهب عن رسول الله ( ﷺ ) بغير إذنه.
﴿ إذا كانوا معه على أمر جامع ﴾ فجعل ترك ذهابهم ﴿ حتى تستأذنوه ﴾ ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله ( ﷺ )، وجعلهما كالتسبيب له والنشاط لذكره.
وذلك مع تصدير الجملة بإنما وارتفاع المؤمنين مبتدأ ومخبر عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم عقبه بما يزيده توكيداً وتسديداً بحيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله ﴿ إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ﴾ وضمنه شيئاً آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين، وعرّض بحال الماضين وتسللهم لو إذاً.
ومعنى قوله ﴿ لم يذهبوا حتى يستأذنوه ﴾ لم يذهبوا حتى يستأذنوه وبأذن لهم، ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم بمشيئته وإذنه لمن استصوب أن يأذن له، والأمر الجامع الذي يجمع له الناس، فوصف بالجمع على المجاز وذلك نحو مقابلة عدو وتشاور في أمرهم أو تضام لإرهاب مخالف، أو ما ينتج في حلف وغير ذلك.
والأمر الذي يعم بضرره أو بنفعه وفي قوله ﴿ وإذا كانوا معه على أمر جامع ﴾ أنه خطب جليل لا بد لرسول الله ( ﷺ ) فيه من ذوي رأي وقوة يظاهرونه عليه ويعاونونه ويستضيء بآرائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفاءته، فمفارقة أحدهم في مثل هذه الحالة مما يشق على قلبه ويشعث عليه رأيه.


الصفحة التالية
Icon