الآية تدل على أن ظاهر الأمر للوجوب، ووجه الاستدلال به أن نقول : تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر ومخالف الأمر مستحق للعقاب فتارك المأمور به مستحق للعقاب ولا معنى للوجوب إلا ذلك، إنما قلنا إن تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر، لأن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه، والمخالفة ضد الموافقة فكانت مخالفة الأمر عبارة عن الإخلال بمقتضاه فثبت أن تارك المأمور به مخالف، وإنما قلنا إن مخالف الأمر مستحق للعقاب لقوله تعالى :﴿فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فأمر مخالف هذا الأمر بالحذر عن العقاب، والأمر بالحذر عن العقاب إنما يكون بعد قيام المقتضى لنزول العقاب، فثبت أن مخالف أمر الله تعالى أو أمر رسوله قد وجد في حقه ما يقتضي نزول العذاب، فإن قيل لا نسلم أن تارك المأمور به مخالف للأمر قوله موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه ومخالفته عبارة عن الإخلال بمقتضاه، قلنا لا نسلم أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه، فما الدليل عليه ؟ ثم إنا نفسر موافقة الأمر بتفسيرين أحدهما : أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الذي يقتضيه الأمر فإن الأمر لو اقتضاه على سبيل الندب، وأنت تأتي به على سبيل الوجوب كان ذلك مخالفة للأمر الثاني : أن موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقاً واجب القبول فمخالفته تكون عبارة عن إنكار كونه حقاً واجب القبول، سلمنا أن ما ذكرته يدل على أن مخالفة الأمر عبارة عن ترك مقتضاه لكنه معارض بوجوه أخر، وهو أنه لو كان ترك المأمور به مخالفة للأمر لكان ترك المندوب لا محالة مخالفة لأمر الله تعالى، وذلك باطل وإلا لاستحق العقاب على ما بينتموه في المقدمة الثانية، سلمنا أن تارك المأمور به مخالف للأمر فلم قلت إن مخالف الأمر مستحق للعقاب لقوله تعالى :{فَلْيَحْذَرِ


الصفحة التالية
Icon