ومعنى الحجر المنع، وكانت العرب إذا نزل بهم شدة أو كرب أو رأوا ما يكرهون قالوا : حجرا محجورا، فهم أيضا يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة لأنهم يكرهونهم، لعلمهم أنهم يوقعون بهم العذاب الشديد الدائم قال المتلمس :
حنّت إلى النحلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
أي الدواهي لأنهم يستعملون هذه الكلمة بمعنى الحرمان إذا سألهم سائل ويقولونه بمعنى الاستعاذة وعند رؤية ما يخاف منه، أي حرام عليك التعرض وقرىء بفتح الحاء وهو الأصل في اللغة إلا أنهم لما خصوه بالاستعاذة أو الحرمان صار كالمنقول عن معناه الأصلي وهو المنع، ولما تغير لفظه عما هو عليه، فنقل من الفتح إلى الكسر.
وقرأ أبو رجاء والحسن والضحاك بضم الحاء، وكل منها جائزة على المعنى المؤدية له.
مطلب ما يؤجر عليه من العمل وما لا يؤجر :
قال تعالى "وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ" عظيم عندهم كانوا يرجون ثوابه في الدنيا كصلة رحم، وإقراء ضيف، وإغاثة ملهوف، ورد ظالم ومظالم، ورحمة فقير، ولطف بحقير، واطلاق الأسير دون فدية منّا، وما ضاهاها من الأعمال الحسنة التي جبل عليها العرب قبل الإسلام وازدادت به شرفا ونفوذا على غيرها حسا ومعنى "فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً" ٢٣ ذرا متفرقا بالهواء وهذا كناية عن بطلان ثواب أعمالهم وعدم مكافأتهم عليها مهما كانت طيبة حسنة كثيرة، لأنهم عملوها حال كفرهم مشوبة بالسمعة والرياء والفخر والأنانية ولم تكن حالة الإيمان لتكون خالصة للّه تعالى، واللّه طيب لا يقبل إلا الطيب المخلص من الطيب المخلص، وأصل الهباء ما يرى في الظل فهو شيء وليس بشيء وقد سبقه صدقة الكافر به، لأنها من حيث الحسّ صدقة وعمل صالح محمود، ومن حيث المعنى لا ثواب لها، فكأنها لم تكن، وهكذا كل شيء لم يبتغ به وجه اللّه، قال صلى اللّه عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ.