ثم قال هذا الضال وعزتك يا رب "لَقَدْ أَضَلَّنِي" ذلك المضل "عَنِ الذِّكْرِ" قبول القرآن الذي هو ذكر اللّه وعن الإيمان به وبمن أنزل عليه "بَعْدَ إِذْ جاءَنِي" من قبل رسولك واتبعته "وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا" ٢٩ يوقع من يطيعه في المهالك ثم يتبرأ منه، وهذا معنى الخذول لأنه يقول يوم القيامة لا تلوموني ولوموا أنفسكم الآية ٢٢ من سورة إبراهيم كما قال في الدنيا لمن خذلهم "إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ" الآية ٤٨ من الأنفال في ج ٣ وقد سمي خليله شيطانا تشبيها بفعله بجامع الإغواء في كل أو انه نسب الجنوح إلى قول خليله إلى الشيطان إذ ينسب إليه كل فعل قبيح وهو المضل لخليله فكأنما أضله فعلا، وحكم هذه الآية عام في كل خليل أو حبيب اجتمعا في الدنيا على معصية اللّه فإنها تنقلب إلى عداوة وندامة وحسرة قال تعالى "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" الآية ٦٧ من الزخرف في ج ٢ فلينظر أحدكم أيها الناس من يخالل، فإنه يحشر معه، لأنه غالبا يكون على دينه، لأن هذا الذي نزلت فيه هذه الآية بعد أن دخل في الإسلام وتمكن به اغواه صاحبه حتى ردّه عنه فهلكا جميعا قال :
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإذا كنت أيها العاقل لا تحب العزلة أو لا تقدر عليها فعليك بصحبة الصادقين، قال تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" الآية ١٢٠ من سورة التوبة في ج ٣، ولبحث الصحبة صلة في تفسير الآية المذكورة آنفا من سورة الزخرف، فراجعها.
"وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ" وهذا من طريق بعث الشكوى من محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى مولاه على قومه اثر ما شاهد منهم من العتو والطغيان