وقريء نشرا بالنون أي ناشرات السحاب وباعثات له، لأنها تجمعه لا من النشر بمعنى التفريق، لأنه غير مناسب للمعنى، إلا أن يراد به معنى السوق مجازا، ولا محل هنا للمجاز، فأصبحت الحقيقة "بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ" أي قدام المطر على طريق الاستعارة، بجامع الخير الكثير والنفع العام في كل من رحمته وغيثه استعارة مليحة لأنه ريح فسحاب فمطر "وَأَنْزَلْنا" بعد إنزال وإثارة الغمام "مِنَ السَّماءِ" الجهة العلوية وكل ما علاك فأظلك فهو سماء "ماءً طَهُوراً" ٤٨ في نفسه مطهرا لغيره "لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً" أرضا لا نبات فيها، وتطلق البلدة على الأرض وعليه قوله :
أنيخت فألفت بلدة بعد بلدة قليل بها الأصوات إلا بغامها
أي خباؤها، راجع تفسير الآيتين ٥٧، ٥٨ من سورة الأعراف المارة، والآية العاشرة من سورة طه الآتية.
قال تعالى "وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً" ٤٩ من أهل البوادي والقرى وغيرهم، وأهل البوادي أحوج من غيرهم إليه، لأن القرى والأمصار لا تكون إلا على الماء غالبا من نهر أو عين أو مسبح أو بئر أو صهاريج وأناسيّ جمع أنيسي مثل كرسي وكراسي، وما قيل إنه جمع إنسان أو جمع ناس فغير وجيه، وقال سيبويه إنه جمع إنسان وعلله بأن أصله أناسين، فقلبت نونه ياء وأدغمت فيما قبلها.
وقال صاحب الخازن جمع ناسي.
وقري ونسقيه بفتح النون.


الصفحة التالية
Icon