وهي هي من قديم كما يرسمها سياق السورة من عهد نوح إلى موقفها هذا الأخير مع رسولها الأخير.. لقد اعترض القوم على بشرية الرسول ( ﷺ ) فقالوا: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ؟ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا !).
واعترضوا على حظه من المال، فقالوا: (أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها).
واعترضوا على طريقة تنزيل القرآن فقالوا: (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة !).
وذلك فوق التكذيب والاستهزاء والقحة والافتراء الأثيم.
ووقف الرسول ( ﷺ ) يواجه هذا كله، وهو وحيد فريد مجرد من الجاه والمال، ملتزم حده مع ربه لا يقترح عليه شيئا، ولا يزيد على أن يتوجه إليه مبتغيا رضاه، ولا يحفل بشيء سواه:" رب إلا يكن بك علي غضب فلا أبالي. لك العتبى حتى ترضى "..
فهنا في هذه السورة يؤويه ربه إلى كنفه، ويمسح على آلامه ومتاعبه، ويهدهده ويسري عنه، ويهون عليه مشقة ما يلقى من عنت القوم وسوء أدبهم وتطاولهم عليه، بأنهم يتطاولون على خالقهم ورازقهم، وخالق هذا الكون كله ومقدره ومدبره.. فلا عليه أن ينالوه بشيء من ذاك ! (ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا)..(واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا).. (وإذا قيل لهم: اسجدوا للرحمن قالوا: وما الرحمن ؟)..
ويعزيه عن استهزائهم به بتصوير المستوى الهابط الذي يتمرغون فيه:(أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ؟ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ؟ إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا !).


الصفحة التالية
Icon