وهذا الذي أنشده الزمخشريُّ يقتضي تَصَرُّفَ " حجراً " وقد تقدَّم نصُّ سيبويهِ على أنَّه يلزمُ النصبَ. وحكى أبو البقاءِ فيه لغةً ثالثةً وهي الفتحُ. قال :" وقد قُرِىء بها ". فَعَلى هذا كَمَلَ فيه ثلاثُ لغاتٍ مقروءٌ بهنَّ.
ومَحْجُوْراً صفةٌ مؤكَّدةٌ للمعنى كقولهم : ذَيْل ذائِل، ومَوْت مائتِ. والحِجْر : العقلُ لأنه يمنعُ صاحبَه.
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)
قوله :﴿ هَبَآءً ﴾ : الهَباءُ والهَبْوَة : الترابُ الدقيق قاله ابن عرفة. قال الجوهري :" يُقال منه : هبا يَهْبو إذا ارتفع وَأَهْبَيْتُه أنا إهْباءً ". وقال الخليل والزجَّاج :" هو مثلُ الغبارِ الداخلِ في الكُوَّة يتراءَى مع ضوءِ الشمس ". وقيل : الهَباء ما تطايَرَ مِنْ شَرَرِ النارِ إذا أُضْرِمَتْ. والواحدةُ هَباءة على حَدّ تَمْر وتمرة. ومَنْثوراً أي مُفَرَّقاً، نَثَرْتُ الشيء : فَرَّقْتُه. والنَّثْرَة : لنجومٍ متفرقة. والنَّثْرُ : الكلامُ غيرُ المنظوم على المقابلةِ بالشعرِ. وفائدةُ الوصفِ به أنَّ الهباءَ تراه منتظماً مع الضوء/ فإذا حَرَّكْتُه تَفَرَّقَ فجِيِْءَ بهذه الصفةِ لتفيدَ ذلك. وقال الزمخشري :" أو مفعولٌ ثالثٌ لجَعَلْناه أي : فَجَعَلْناه جامِعاً لحقارةِ الهَباء والتناثُرِ كقوله تعالى :﴿ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [ البقرة : ٦٥ ] أي : جامعين للمَسْخِ والخَسْءِ ". قال الشيخ :" وخالَفَ ابنُ درستويه، فخالف النحويين في مَنْعِه أن يكونَ لكان خبران وأزيدُ، وقياسُ قولِه في " جَعَلَ " أَنْ يمنعَ أن يكونَ لها خبرٌ ثالث ". قلت : مقصودُه أنَّ كلامَ الزمخشريِّ مردودٌ قياساً على ما مَنَعَه ابنُ درستويه مِنْ تعديدِ خبر " كان ".
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)