﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة ﴾ فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك، أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة، أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة، أو فلا تعجب من تكذيبهم إياك فإنه أعجب منه. ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً ﴾ ناراً شديدة الاستعار، وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان.
﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ ﴾ إِذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه السلام " لا تتراءى ناراهما " أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم. ﴿ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ ﴾ هو أقصى ما يمكن أن يرى منه. ﴿ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ صوت تغيظ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه، هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر. وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف.
﴿ وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ﴾ في مكان ومنها بيان تقدم فصار حالاً. ﴿ ضَيِّقاً ﴾ لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق والروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها كعرض السموات والأرض. ﴿ مُقْرَّنِينَ ﴾ قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل. ﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ﴾ في ذلك المكان. ﴿ ثُبُوراً ﴾ هلاكاً أي يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك.
﴿ لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا ﴾ أي يقال لهم ذلك. ﴿ وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً ﴾ لأن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته، أو لأنه يتجدد لقوله تعالى :﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب ﴾ أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور.