﴿ وقال الظالمون : إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ﴾.
وهي كلمة ظالمة فاحشة حكاها عنهم هنا، وحكاها عنهم كذلك في سورة الإسراء. ورد عليها هنا وهناك رداً واحداً :
﴿ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً ﴾...
وكلتا السورتين تعالجان موضوعاً متقارباً، في جو متقارب هنا وهناك.. وقولتهم تلك يقصدون بها الإساءة إلى شخص رسول الله ﷺ والتنقص منه. إذ يمثلونه برجل سحر عقله، فهو يقول كلاماً غريباً لا يقوله الطبيعيون من الناس! ولكنها في الوقت ذاته تشي بشعورهم الداخلي بأن ما يقوله غير طبيعي، ولا مألوف، ولا هو من عادة البشر ولا من مستوى البشر.. والرد عليهم يوحي بالتعجيب من أمرهم :﴿ انظر كيف ضربوا لك الأمثال ﴾ وشبهوك بالمسحورين مرة، واتهموك بالتزوير مرة، ومثلوك برواة الأساطير مرة.. وكله ضلال، وبعد عن إدراك الحق ﴿ فضلوا ﴾ ضلوا عن كل طريق للحق، وكل سبيل للهدي ﴿ فلا يستطيعون سبيلاً ﴾.
وينهي هذا الجدل ببيان تفاهة ما يقترحون وما يتصورون من أعراض الحياة الدنيا، التي يحسبونها ذات قيمة، ويرونها أجدر أن يعطيها الله لرسوله إن كان حقاً رسولاً، من كنز يلقى إليه، أو جنة يأكل منها. فلو شاء الله لأعطاه أكبر مما يقترحون من هذا المتاع :
﴿ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك : جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل لك قصوراً ﴾.
ولكنه شاء أن يجعل له خيراً من الجنات والقصور. الاتصال بواهب الجنات والقصور. والشعور برعايته وحياطته، وتوجيهه وتوفيقه.. وتذوق حلاوة ذلك الاتصال، الذي لا تقاربه نعمة من النعم، ولا متاع صغر أو عظم. وشتان شتان لو كانوا يدركون أو يتذوقون!