وعند هذا الحد من استعراض مقولاتهم الظالمة عن الله وعلى رسول الله، يكشف عن مدى آخر من آماد كفرهم وضلالهم. فهم يكذبون بالساعة، ومن ثم لا يتحرجون من ظلم ولا افتراء، ولا يخشون يوماً يلقون فيه الله فيحاسبهم على الظلم والافتراء. وهنا يصورهم في مشهد من مشاهد القيامة يزلزل القلوب الصلدة ويهز المشاعر الخامدة، ويطلعهم على هول ما ينتظرهم هناك ؛ وعلى حسن ما ينتظر المؤمنين في ذلك الهول العظيم :
﴿ بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً، إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً! ﴾
﴿ قل : أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون لهم جزاءً ومصيراً، لهم فيها ما يشاءون خالدين، كان على ربك وعداً مسئولاً؟ ﴾..
بل كذبوا بالساعة.. وبلغوا هذا المدى من الكفر والضلال. هذا المدى الذي يصوره التعبير بعيداً متطاولاً، يضرب عن كل ما قبله ليبرزه ويجسمه :﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾.
. ثم يكشف عن الهول الذي ينتظر أصحاب هذه الفعلة الشنيعة. إنها السعير حاضرة مهيأة :﴿ وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً ﴾..
والتشخيص ونعني به خلع الحياة وتجسيمها على ما ليس من شأنه الحياة المجسمة من الأشياء والمعاني والحالات النفسية فن في القرآن، يرتفع بالصور وبالمشاهد التي يعرضها إلى حد الإعجاز، بما يبث فيها من عنصر الحياة.
ونحن هنا أمام مشهد السعير المتسعرة، وقد دبت فيها الحياة! فإذا هي تنظر فترى أولئك المكذبين بالساعة. تراهم من بعيد! فإذا هي تتغيظ وتزفر فيسمعون زفيرها وتغيظها ؛ وهي تتحرق عليهم، وتصعد الزفرات غيظاً منهم ؛ وهي تتميز من النقمة، وهم إليها في الطريق!.. مشهد رعيب يزلزل الأقدام والقلوب!