ثم ها هم أولاء قد وصلوا. فلم يتركوا لهذه الغول طلقاء. يصارعونها فتصرعهم، ويتحامونها فتغلبهم. بل ألقوا إليها إلقاء. ألقوا مقرنين، قد قرنت أيديهم إلى أرجلهم في السلاسل. وألقوا في مكان منها ضيق، يزيدهم كربة وضيقاً، ويعجزهم عن التفلت والتململ.. ثم ها هم أولاء يائسون من الخلاص، مكروبون في السعير. فراحوا يدعون الهلاك أن ينقذهم من هذا البلاء :﴿ وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً ﴾... فالهلاك اليوم أمنية المتمني، والمنفذ الوحيد للخلاص من هذا الكرب الذي لا يطاق.. ثم ها هم أولاء يسمعون جواب الدعاء. يسمعون تهكماً ساخراً مريراً :﴿ لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً ﴾. فهلاك واحد لا يجدي شيئاً ولا يكفي شيئاً!.
وفي هذا الموقف المكروب الرعيب يعرض ما أعد للمتقين، الذين يخشون ربهم ويرجون لقاءه، ويؤمنون بالساعة. يعرض في أسلوب متهكم كذلك ساخر.
{ قل : أذلك خير؟ أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيراً ؛ لهم فيها ما يشاءون خالدين. كان على ربك وعداً مسؤولاً؟ "
أذلك الكرب الفظيع خير؟ أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين، وخولهم حق سؤاله عنها، وطلب تحقيق وعده الذي لا يخلف، ومنحهم أن يطلبوا فيها ما يشاءون؟ وهل هناك وجه للموازنة؟ ولكنها السخرية المريرة بالساخرين الذين يتطاولون على الرسول الكريم.
ثم يمضي مستطرداً يعرض مشهداً آخر من مشاهد الساعة التي كذب بها المكذبون. مشهد أولئك المشركين، وقد حشروا مع آلهتهم التي كانوا يزعمون، ووقف الجميع عباداً ومعبودين أمام الديان يسألون ويجيبون!


الصفحة التالية
Icon