وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ أظهر القولين فيه عندي أنه من كلام الكفار، يوم يرون الملائكة. لا من كلام الملائكة وإيضاحه : أن الكفار الذين اقترحوا إنزال الملائكة إذا رأوا الملائكة توقعوا العذاب من قبلهم، فيقولون حينئذ للملائكة : حجراً محجوراً : أي حراماً محرماً عليكم أن تمسونا بسوء أي لأننا لم نرتكب ذنباً نستوجب به العذاب، كما أوضحه تعالى بقوله عنهم :﴿ الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل : ٢٨ ] فقولهم : ما كنا نعمل من سوء : أي لم نستوجب عذاباً فتعذيبنا حرام محرم، وقد كذبهم الله في دعواهم هذه بقوله :﴿ بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل : ٢٨ ] وعادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، أنهم بلغتهم، أنهم يقولون هذا الكلام : أي حجراً محجوراً عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك.
وقد ذكر سيبويه هذه الكلمة أعني : حجراً محجوراً في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ نحو : معاذ الله، وعمرك الله، ونحو ذلك وقوله : حجراً محجوراً، أصله من حجره بمعنى منعه، والحجر الحرام، لأنه ممنوع ومنه قوله :
﴿ وَقَالُواْ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ﴾ [ الأنعام : ١٣٨ ] أي حرام ﴿ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ ﴾ [ الأنعام : ١٣٨ ] ومنه قول المتلمس :
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها... حجر حرام ألا تلك الدهاريس
فقوله حرام تأكيد لقوله حجر لأن معناه حرام وقول الآخر :
ألا أصبحت أسماء حجراً محرماً... وأصحبت من أدنى حموتها حم
وقول الآخر :
قالت وفيها حيرة وذعر... عوذ بربي منكم وحجر