وقولهم :﴿ أَوْ نرى رَبَّنَا ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] والله، لو كان إله يُرَى لكم ما صَحَّ أن يكون إلهاً ؛ لأن المرئي مُحَاطٌ بحدقة الرائي، وما دام أحاط به فهو إذن محدود، ومحدوديته تنافي الوهيته.
وإلاَّ فالمعاني التي تختلج بها النفس الإنسانية مثل الحق والعدل الذي يتحدث عنه الناس وينشدونه ويتعصَّبون له، ويتهافتون عليه لحلِّ مشاكلهم وتيسير حياتهم : أتدرك هذه المعاني وأمثالها بالحواس؟ كيف تطلب أن تدرك خالقها عز وجل وبالحواسّ؟
لذلك يختم الحق سبحانه هذه المسألة بقوله :﴿ لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيرا ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] استكبر وتكبَّر : حاول أن يجعل نفسه فوق قَدْره، وكلُّ إنسان مِنّا له قَدْر محدود.
ومن هنا جاء القول المأثور :" رَحِمَ الله امرءً عرف قدر نفسه ". فلماذا إذن يتكبّر الإنسان؟ لو أنك إنسان سوىّ فإنك تسعد حين نمنع عنك مَنْ يسرقك، أو ينظر إلى محارمك أو يعتدي عليك، فلماذا تغضب حينما نمنعك عن مثل هذا؟
النظرة العقلية أن تقارن بين مَا لك ومَا عليك، لقد منعنا يدك وهي واحدة أنْ تسرق، ومقابل ذلك منعنا عنك جميع أيدي الناس أن تسرق منك، منعنا عينك أن تمتد إلى محارم الآخرين، ومنعنا جميع الأَعْيُن أنْ تمتدّ إلى محارمك ؛ فلماذا إذن تفرح لهذه وتغضب من هذه؟ كان يجب عليك أن تحكم بنفس المنطق، فإنْ أحببتَ ما كان لك وكرهتَ ما كان لغيرك فقد جانبتَ الصواب وخالفتَ العدالة.
ومن استكبارهم مواجهتهم لرسول الله في بداية دعوته وقولهم :﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ ﴾