[ الزخرف : ٣١ ] إذن : القرآن لا غبارَ عليه، وهذا حكم واقعي منهم ؛ لأنهم أمة بلاغة وفصاحة، والقرآن في أَرْقَى مراتب الفصاحة والبيان، إنما الذي وقف في حُلُوقهم أن يكون الرسول رجلاً من عامة الناس، يريدونه عظيماً في نظرهم، حتى إذا ما اتبعوه كان له حيثية تدعو إلى اتباعه.
إذن : الاستكبار أن تستكبر أن تكون تابعاً لمنْ تراه دونك، ونحن ننكر هذا ؛ لأنك لم تَرَ محمداً ﷺ قبل أن يقوم بالرسالة أنه دونك، بل كنت تضعه في المكان الأعلى، وتُسمِّيه الصادق الأمين، فمتى إذن جعلْتَه دونك؟ إنها الهبة التي وهبه الله، إنها الرسالة التي جعلتك تأخذ منه ما كنتَ تعطيه قبل أن يكون رسولاً.
وهل سبق لكم أَنْ سمعتم عن رسول جاء معه ربه عَزَّ وجَلَّ يقول لقومه : هذا رسولي؟ وما دام أن الله تعالى سيواجهكم هذه المواجهة فلا داعيَ إذن للرسول ؛ لأن الله تعالى سيخاطبكم بالتكليف مباشرة وتنتهي المسألة. ومعلوم أن هذا الأمر لم يحدث، فأنتم تطلبون شيئاً لم تسمعوا به، وهذا دليل على تلكؤكم واستكباركم عن قبول الإيمان فجئتم بشيء مستحيل.
إذن : المسألة من الكفار تلكؤٌ وعناد واستكبار عن قبول الحق الواضح، وقد سبق أن اقترحوا مثل هذه الآيات والمعجزات، فلما أجابهم الله كذّبوا، مع أن الآيات والمعجزات ليست باقتراح المرسل إليهم، إنما تفضُّل من الله تعالى واهب هذه الرسالة.
والاستكبار مادته الكاف والباء والراء. وتأتي بمعانٍ عِدَّة : تقول كَبَرَ يكْبَر أي : في عمره وحجمه، وكَبُر يكبُر أي : عَظُم في ذاته، ومنها قوله تعالى :﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [ الكهف : ٥ ].
وتكبَّر : أظهر صفة الكبرياء للناس، واستكبر : إذا لم يكُنْ عنده مؤهلات الكِبر، ومع ذلك يطلب أن يكون كبيراً.