فالمعنى ﴿ استكبروا ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] ليس في حقيقة تكوينهم إنما ﴿ استكبروا في أَنفُسِهِمْ ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] في أنهم يتبعُون الرسول، أي : أنها كبيرة عليهم أن يكونوا تابعين لرجل يروْنَ غيره أغنى منه أو أحسن منه ( على زعمهم ).
ونرى مثلاً أحد الفتوات الذي يخضع له الجميع إذا ما رأى مَنْ هو أقوى منه انكمشَ أمامه وتواضع ؛ لأنه يستكبر بلا رصيد وبشيء ليس ذاتياً فيه.. إذن : المتكبر بلا رصيد غافل عن كبرياء ربه، ولو استشعر كبرياء الله عَزَّ وجَل لاستحَى أنْ يتكبّر.
لذلك نرى أهل الطاعة والمعرفة دائماً منكسرين، لماذا؟ لأنهم دائماً مستشعرون كبرياءَ الله، والإنسان ( لا يتفرعن ) إلا إذا رأى الجميع دونه، وليس هناك مَنْ هو أكبر منه. فينبغي ألا يَتكبَّر الإنسان إلا بشيء ذاتي فيه لا يُسلبَ منه، فإن استكبرت بِغنَاك فربما افتقرتَ، وإنِ استكبرتَ بقوتك فرُبّما أصابك المرض، وإنِ استكبرتَ بعلمك لا تأمنْ أن يُسلبَ منك لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً.
ومن لُطْف الله بالخَلْق ورحمته بهم أنْ يكون له وحده الكبرياء، وله وحده سبحانه التكبُّر والعظمة، ويعلنها الحق تبارك وتعالى :" الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته جهنم ".
والحق تبارك وتعالى لا يجعلها جبروتاً على خَلْقه، إنما يجعلها لهم رحمة ؛ لأن الخَلْق منهم الأقوياء والفُتوات والأغنياء.. حين يعلمون أن لله تعالى الكبرياء المطلق يعرف كل منهم قدره ( ويرعى مساوى )، فالله هو المتكبر الوحيد، ونحن جميعاً سواء.
لذلك يقول أهل الريف ( اللي ملوش كبير يشتري له كبير ) وحين يكون في البلد كبير يخاف منه الجميع لا يجرؤ أحد أنْ يعتديَ على أحد في وجوده، إنما إنْ فُقِد هذا الكبير فإن القوي يأكل الضعيف. إذن : فالكبرياء من صفات الجلال لله تعالى أنْ جعلها الله لنفع الخَلْق.


الصفحة التالية
Icon