ولو تصورنا التكبر مِمَّنْ يملك مؤهلاته، كأن يكون قوياً، أو يكون غنياً.. إلخ فلا نتصور الكبر من الضعيف أو من الفقير ؛ لذلك جاء في الحديث :" أبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث أشد، أبغض الغني المتكبر وبُغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض الفقير البخيل وبغضي للغني البخيل أشدّ، وأبغض الشاب العاصي وبغضي للشيخ العاصي أشد ".
وقوله تعالى :﴿ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] عتوا : بالغوا في الظلم والتحدي وتجاوزوا الحدود، وكأن هذا غير كافٍ في وصفهم، فأكّد العُتُو بالمصدر ( عتواً ) ثم وصف المصدر أيضاً ﴿ عُتُوّاً كَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] لماذا كل هذه المبالغة في التعبير؟ قالوا : لأنهم ما عَتَوْا بعضهم على بعض، إنما يتعاتون على رسول الله، بل وعلى الله عز وجل ؛ لذلك استحقُّوا هذا الوصف وهذه المبالغة.
والعاتي الذي بلغ في الظُّلم الحدَّ مثل الطاغوت الذي إنْ خاف الناس منه انتفش، وتمادى وازداد قوة.
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً ﴾ [ مريم : ٨ ] ومعلوم أن الكِبَر ضعف، كما قال سبحانه :﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ﴾ [ الروم : ٥٤ ] فكيف إذن يصف الكبر بأنه عَاتٍ؟ قالوا : العاتي هو القوي الجبار الذي لا يقدر أحد على صَدِّه أو رَفْع رأسه أمامه، وكذلك الكِبَر على ضَعْفه، إلا أنه لا توجد قوة تطغى عليه فتمنعه.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة ﴾
يتحدث الحق تبارك وتعالى عن هؤلاء الذين اقترحوا على رسول الله الآيات وطلبوا أن تنزل معه الملائكة فيرونها، وتشهد لهم بصدقه ﷺ، فيقول لهم سبحانه : أنتم تشتهون أنْ تروْا الملائكة، فسوف تروْنها لكن في موقف آخر، ليس موقف البُشْريات والخيرات، إنما في موقف الخزي والندامة والعذاب :


الصفحة التالية
Icon